في صميم القراءات المتعمقة في الساحة العلمية والصناعية والاقتصادية التي يتجه الواعون من ممارسيهم وبثقلهم إلى تفعيل مقومات الإبداع الاستحثاثي والإنتاجي لتلك التخصصات، والذي بات من أساسيات العمل التطويري المستمر والمرتبط بالاستدامة في مفهومها الحديث، ارتباطا وثيقا انبرى في الفترة القصيرة الماضية بتوجهات بيئية وسياسية أيضا، جعلت من إنتاج الطاقة واستهلاكها وتأثيرها البيئي على المناخ فيما يختزله مفهوم الاحتباس الحراري الحدث والرأي الغالب على مجريات الأحداث والاستراتيجيات المستقبلية للدول، لكي تتمكن وتحرز لنفسها موقعا تكون فيه لاعبا محوريا فعالا له النصيب الأوفر في صناعة التغيير العالمي، يُمَكِّنَها من السيطرة والهيمنة تحت مفهوم الإبداع المؤدلج لو صح التعبير بالقدر والقدرة المكتسبة الماكرة، الذي تستطيع أن تخلقه لنفسها من بين وعلى ظهر التحديات الكبيرة الطافية على صفيح ساخن من الأزمات المفتعلة سياسيا في مجملها أو متولدة أو ارتدادية. ومن خلال تأثير الساحة المتأججة والمتوترة التي تخلق فجوات وتعثر نتيجة للمبادرات الاستباقية التنافسية الإستراتيجية في معتقد منظريها ومخططيها، فإن الأوضاع الراهنة لا توحي بخروج نماذج متكاملة لتكوينات اجتماعية تستطيع أن تسيطر لوحدها على الوضع على المدى القريب بالرغم من المحاولات الاندماجية والاعتمادية على بعض، مع وجود نماذج متعددة في ذات السياق وعلى أهبة الاستعداد من النيل بالآخرين من مواقع متعددة، ما برحوا يرون فيه أنفسهم العظماء مع توهمهم أنهم متربعون بعدما خطفت الانهيارات والفضائح تلو الأخرى أغلى وأثمن ما يملكون من المصداقية والشفافية والقوة الخادعة التي أسرت واستعبدت خوفا القلوب بعدما غزوا العالم إعلاميا ودمروا وأحرقوا ولوثوا بتدخلاتهم اليابس والأخضر، مستندين في قوتهم وسيطرتهم لزمن طويل على الإبداع المؤدلج المتقوقع والمحصور فيما بينهم دون غيرهم في التوهيم بقدرتهم الاقتصادية المهزوزة مع السياسية والعلمية والبشرية، مقابل آخرين كانوا يملكون جزءا من تلك القدرة ويفتقدون لأجزاء مهمة تعزز الجزئية المنفردة، إلى حين بدؤوا يعملون ولا زالوا بهدوء وصبر وتركيز مقنن لِتتقارب الجزئيات المنفرجة والمشتتة لديهم للوصول لهدف التكامل لتحقيق الأيدلوجية الإبداعية، أي أن الإبداع المؤدلج لا يمكن أن يصل إلى ذروة تكوينه إلا بتكامل مقوماته المرتبطة ببعض والمتمحورة بالسياسة والاقتصاد والعلم والطاقة البشرية الفعالة والصادقة مع نفسها في انتمائها الواسع وولائها للأيدلوجية الإبداعية. أما التوجه للنظر بعمق وعلى هيئة بريئة إنسانية ومباشرة في كيفية تحرير القيود المعوقة للوصول إلى غاية ومبتغى الأيدلوجية الإبداعية المتكاملة الحقيقية، فهو للأسف تفكير خاطيء ومحفوف بالمجازفة والخطر في عالمنا المعاصر، الذي لا يخجل أن يراوغ منظروه بالديموقراطية والحريات والحقوق الإنسانية لإجهاض كل ما هو خلاق ومبدع لا يرونه من ضمن أولوياتهم الذاتية الأنانية خوفا من إطفائه لوهجهم المزيف وإزالتهم، وقد يتجه بصاحبه إلى هاوية أشباه العقلاء من رواد الأقلام المحترفة والمحترقة إبداعيا للوراء، وقد يعاقب عليه وترتد عواقب تفكيره على مقومات الإبداع لديه تحت وطأة مفكري ومسوقي الأيدلوجية الإبداعية الوهمية، التي يتغنى بها المتفننون في صياغة قدرتهم لتحقيقها إعلاميا، وحياكة المترادفات من المعاني ووضعها فوق بعض من أجل تدعيم الرأي والفكرة بطرق احترافية تَعْبُر على السذج من المستقبلين، فليس ثمة استصغار وتسطيح لأنفسهم سينكشف لاحقا للغافلين والمغفلين من عدم قدرة المترادفات تلك من الصمود التاثيري لفترة طويلة جراء اجترارها وتداولها في دائرة مغلقة، تتكرر صياغاتها الملتوية وفقا لرؤية وغليان صائغها وبأطوار متغيرة، عالية تارة ومنخفضة تارة أخرى كالموسيقى، لان الحق يظل حقا والباطل يبقى باطلا ولو تستر بعباءة الحق، لكن في النهاية؛ ستفقد تلك الصياغات ذات المترادفات اللامعة التسويفية بريقها الخارجي من ذوبان الشمع المغطي للوهج الإبداعي المزيف بعد صدأ واصفرار أسطحها وسقوط العباءة الساترة الرثة من عليها. الأمر المهم والذي يجب تجنبه حفاظا على الطاقات والوقت، هو استرسال الكثيرين وشغفهم الدخول في صحبة ومودة عميقة مع الإبداع من منظور سطحي دون التعمق في حيثيات الوصول إلى القيمة التي سيثريها في العقلية الإبداعية والإنتاجية، لأنه مفهوم واسع ومتعدد الجوانب من الناحية التكميلية، وينبغي للساعين نحوه أن لا ينجرفوا بسرعة مستميتة حفاظا على الوقت لفهم تعريفاته المتموجة دون النظر تزامنا إلى كيفية تأسيس قاعدة بيئية عريضة لثقافة إبداعية شاملة في المجتمع ومتنزهة من كل المعوقات، لتخلق حراكا متوهجا في الداخل الإنساني، مستحثا الأفكار والرؤى للانطلاق إلى الخارج الإنتاجي، تحت مضامين خلاقة تتبلور في ترجمة الأحاسيس والأفكار الحيوية المبدعة وترتيبها بعقلية متوازنة ومفهومة، لتخرج متكاملة للتلقي وللتنفيذ والانتشار.