تولي حكومة المملكة العربية السعودية اهتماماً خاصاً بالمشاعر المقدسة وتجعلها من أولى أولوياتها التنموية في الدولة ، وتنفق بسخاء على تطويرها لأنها تتعلق بأمور المسلمين كافة الذين يفدون إليها لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج ولزيارة مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام. وكان ذلك منذ عهد الملك الباني -طيب الله ثراه -الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مروراً بأبنائه الكرام البررة الذين ساروا على نهج المؤسس الأول والقدوة والأنموذج في الاهتمام بكل ما يتعلق بأمور الإسلام والمسلمين. وجاء عهد الملك الصالح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله الذي استمر في اتخاذ القرآن الكريم دستوراً لدولته والشريعة الإسلامية منهاجاً لحياة أبنائها. فأسس لدولة حضارية أعزها الله بالإسلام وتجاوز صيتها الآفاق في الاعتدال والتسامح وحوار الحضارات ودخل الناس في دين الله أفواجاً وهفت القلوب الحديثة العهد بالإسلام إلى مكةالمكرمة بلد الله الحرام ، وتزايدت أعداد المسلمين القادمين إليها في الحج والعمرة زيادة مضطردة ، فكانت خططه القويمة رعاه الله في التأسيس لأكبر توسعة للحرم المكي الشريف في التاريخ بتكلفة بلغت 80 ملياراً ( ثمانين مليار ) ستجعل -بإذن الله تعالى - الحرم المكي يتسع لأكثر من مليوني مصل في وقت واحد. وقد شملت خطط التوسعة للمسجد الحرام توسعة المطاف الذي سيكون طاقته الاستيعابية -بإذن الله تعالى- أكثر من 130 ألف ( مائة وثلاثين ألف ) مصلٍ في الساعة بدلاً من 50.000 ( خمسين ألف ) مصلٍ. وتعتبر هذه مشاريع رائدة ليس فقط من حيث المساحة بل من حيث المدة الزمنية للبناء والذي يعتبر وقتاً قياسياً حيث أمر المليك المفدى أن تكون على ثلاث سنوات وليس ( ست سنوات ) كما كان مقرراً لها وذلك تسهيلاً لأمور المسلمين حتى يؤدوا شعائرهم بيسر وسهولة وأمان. وهو في كل هذا يقول لشعبه : “ شكراً هذا من فضل الرب عز وجل.. وهذا ما لنا فيه من كرم ، الكرم للرب عز وجل ثم للشعب السعودي الصادق الأبي.. وأن هذا للمسلمين قاطبة “. عبارات تنم عن تواضع جم وعقيدة إيمانية راسخة بالله عز وجل ثم ثقة ووفاء لأبناء شعبه الذين أحبهم فأحبوه واحترمهم فاحترموه وصدقهم فصدقوا ما عاهدوا الله عليه. بل ينم عن تقديرٍ واحترام لكافة الشعوب الإسلامية. وها هي التوسعة القادمة للحرم المكي الشريف - بإذن الله تعالى- تمثل إنجازاً تاريخياً لم يوجد له مثيل في أي مكان في العالم من حيث الطاقة الاستيعابية ، والخدمات المقدمة ، والتي تعتمد على أعلى المستويات من أنظمة الطاقة الكهربائية والميكانيكية والإلكترونية ، ومنها أنظمة التكييف والتخلص من النفايات بشكل آلي والاعتماد على التقنيات العلمية الحديثة في تشغيل ونظافة وصيانة هذه المرافق. كما إن مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ( لإعمار مكةالمكرمة) مشروع عملاق يهدف إلى التنمية الشاملة المستدامة لمكةالمكرمة ، وجعلها مدينة عالمية بكل المقاييس ليس فقط من حيث تطوير الأحياء العشوائية وإيجاد بدائل لساكنيها في أطراف المدينة بل من حيث معالجة الحركة المرورية ومعالجة الازدحام والتكدس وتوسعة الطرقات إن شاء الله تعالى للكتل البشرية القادمة للحج والعمرة. وإن مع هذه المشروعات لم تنفذ بعد على أرض الواقع ولا زالت خططاً تنتظر بإذن الله تعالى التنفيذ ، فقد كان حج هذا العام 1432ه حجاً ناجحاً بامتياز ويكاد يلمس المرء الجهود الجبارة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كافة قطاعات الدولة ومؤسساتها الحكومية والخاصة وبإشراف مباشر من صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكةالمكرمة ورئيس لجنة الحج المركزية خالد الفيصل ، وهي جهود تذكر فتشكر. وخاصة جهود الأمن العام ومرور العاصمة المقدسة والجهود الجبارة التي تبذلها وزارة الحج وكافة مؤسسات الطوافة بقيادة وزير الحج معالي د. فؤاد بن عبدالسلام الفارسي وما قدمته من خطط لراحة حجاج بيت الله الحرام وإجراءات تحافظ على أمنهم وسلامتهم. ولكن مع ذلك تبقى هناك بعض الثغرات البسيطة التي تحتاج منا إلى وقفات للتقويم وهذا هو الأسلوب العلمي الحضاري الذي تنتهجه الدولة في إدارتها التنظيمية والتنفيذية في تلمس السلبيات لعلاجها ودعم الإيجابيات لاستمرار نجاحها. ومن وجهة نظري المتواضعة والتي أتمنى أن تؤخذ في الاعتبار في المشاريع القادمة لتطوير مكةالمكرمة وهي : البنى التحتية والخدمات والمرافق العامةة في مشعر مزدلفة فهي لازالت متواضعة ولا تلبي الاحتياج الفعلي لأعداد الحجاج المتزايدة. فمواقف الحافلات لا تتسع سوى 1% من الحافلات مما يضطر سائقي الحافلات للوقوف في نفس الطريق وبالتالي إحداث ارباك في الحركة المرورية ، بل إن دورات المياه لا زالت محدودة ولا تستوعب حاجة الملايين من الحجاج. كما لا يوجد في تلك المنطقة مطاعم وبقالات. والمبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج تتطلب توفير احتياجات الإنسان الأساسية من مطعم ومأوى ومأكل وغيرها... لذا فإن خططنا التنموية لاعمار مكةالمكرمة لابد ان تكون لخمسين سنة قادمة والتي جزء أساسي منها المشاعر المقدسة وخاصة ( مشعر مزدلفة ) حيث يحتاج الى الخدمات الأساسية والبنى التحتية وتكون على شكل مربعات خدمية كل مربع يحتوي على مواقف متعددة الأدوار فوق وتحت الأرض تجاورها المطاعم ودورات المياه والبقالات... وغيرها من الخدمات ، حتى لو اضطر الأمر الى إزالة أو تسوية أو إزاحة بعض الجبال وجعل المنطقة سهولاً منبسطة. ويبقى على رجال المرور تنظيم حركة دخول الحافلات إلى تلك المربعات بانتظام وبمساعدة أجهزة رصد ذكية تستطيع قياس اكتمال استيعاب المنطقة وبالتالي التوجيه للحافلات الأخرى القادمة إلى مربعات أخرى. وبذلك نكون قد أنشأنا قرية حضارية متكاملة في منطقة مزدلفة تلبي الاحتياجات الأساسية لحجاج بيت الله الحرام وتوفير أقصى درجات الراحة والطمأنينة لهم. وهنا نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد فتوفير هذه الخدمات لحجاج بيت الله الحرام يعني توفير فرص عمل متنوعة للشباب والشابات في بلادنا الحبيبة الذين ربما يستفيدون من دخل هذا العمل لعام كامل. وتكون بذلك مكةالمكرمة وكل شبر في مشاعرها المقدسة مصدر اعتزاز وفخر لكل المسلمين الذين يشكرون الله على ما وهبهم من راحة وطمأنينة عند أداء نسكهم في ظل حكومة المملكة العربية السعودية رمز العطاء والسخاء والوفاء. حكومة يتباهون بما تحققه من منجزات ومعجزات تاريخية لم يوجد لها مثيل في العالم وتسطر بأحرف من نور في سجل تاريخ الشعوب.