رحم الله الأمير سلطان بن عبدالعزيز فقد كان رحليه مفاجئا ومؤلما في آن واحد وعندما تذكرت واستعرضت سيرته وجدت ان بينها وبين مسيرة أخيه الأكبر الملك فهد تشابها ولا غرابة سواء في الخدمة أو في العطاء لهذه الأمور مجتمعة أقول: لقد رحل الرجل الذي عايش أجيالاً من هذا الشعب وخبر الحياة بمرها وحلوها حيث تنقل منذ نعومة أظفاره من المدرسة الحياة إلى المدرسة العمل وخبر عبر مشواره الطويل خصوصية المراحل التي عايشها بالتفكير والتفعيل فمن شاب طموح لازم التعليم بوجهيه الخاص والعام إلى وزير أثر تأثيراً في المنهج والعطاء إلى معايشة الهم الأمني كأمير للعاصمة الرياض مبكراً ومراقبة ما يلائم ويوافق مجتمعه أو هكذا هدته تربيته ومعايشته الأثيرة مع هذه الشرائح المؤمنة المحافظة. إنني أعتقد ان مرحلة الأمير سلطان بما لها وما عليها تاريخ واضح السمات حدثت فيه أحداث مفصلية لايمكن أن يتجاوزها المتابع أو يصنفها من ضمن السياق الذي سبقه حتى وإن كانت تكملة لمن يظن ان هناك تراتبية أو تقاطعا معلوما. قد يكون الأمير أوعى لمسؤولية ما طرأ وخاصة بعد التحولات التي فرضتها التغيرات منذ نهاية القرن العشرين بالنسبة لمعاصريه أو انه حذف اللعبة دون وسيط أو معارض له توجه مغاير فالكبار في هذه المنطقة كان لكل منهم مذهب ومشرب أما الأمير سلطان فكان على العكس كان ذا تبصر متين العلاقة بالاسلام أولاً وبالمجتمع الذي لا ينقاد ولا تصلح أموره إلا من خلال ما عرف به كما ان فطنته الفائقة قد مكنته من السير بين الشوائك والمنعطفات التي واكبت انهيار المعسكر الشرقي واستثئار القوة الوحيدة ومن ثم التحالفات التي اعقبت جراء التغير واستقطاب الأطياف التي كانت بالأمس خارج الدائرة.. إن ولي العهد الأمير رحمه الله قد قدم انموذجاً فريداً سواء في الداخل أو في الخارج ، والمؤرخ القادر إذا كان لدينا مؤرخ هو الذي يستخلص تلك العقود من عمر هذا الوطن ويستقرىء تلك الجهود استقراء المحايد الملم بعيداً عن مباهج الكرنفالات والمدائح أو لوازم الموظفين لأن مسيرة الأمير منذ تقلد المسؤوليات ذات طابع يغري الباحث ويجد فيها ضالته ..والتاريخ الحقيقي هو الذي يتناول المنجزات والمواقف ويحلل ويطرح من خلال الماثل العيني إن وجد وإذا حصل وتشابهت عليه الأمور رجع إلى الأصول التي بنيت عليها الشواهد كالوثائق والعقود وما شابه ذلك من الاتفاقات والمناشط المرافقة هذا هو التاريخ الذي يبقى ويتلى لا يتغير ولا يترك ولا يدخل عليه أي داخل.. أم التواريخ التي تلفق ويعهد إلى المنافقين والمزايدين بتمطيطها وتحويلها إلى مصالحهم فإنها ليست بتاريخ وإنما سير ضررها أكثر من نفعها لأن ما كتب بالذمم لا يعمر ولا يقبله إلا صانعه أو المخدوع الذي لا يفكر في سنين الحياة..والأمير سلطان ذهب إلى بارئه ومن الأولى أن نكون صادقين مع ذلك التراكم الذي عايشه خطوة خطوة وأن نبرزه بما له وما عليه وان لا يعهد إلا إلى الشرفاء الذين يتناولون تاريخه بموضوعية واحترام ومن الوفاء والبر من أولي الخبرة الذين لديهم القدرة على معالجة ومتابعة هذه المسائل ، أما الجاهزون والظانون في أنفسهم بالخصوصية والمتربصون للهدايا والمكافآت فأوراقهم من جنس ما يتوقعونه ..فالوفاء الوفاء مع جهود الأمير سلطان لأنه لو كان حياً وقدر لأحد أن يكتب عن مشواره الطويل لما رضي إلا بالمصداقية لأنه كان صادقاً في حياته سواء مع الأحداث التي عصفت بالمنطقة أو مع الأحداث التي تراكمت وتعددت وسائل اتصالاتها أو مع التوقعات المفترضة، ونحن في هذا الحيز من الأرض لانخجل ولا نتنصل من تبعات ما نحن من ضمن شهوده ، قد تكون المركزية أو شمولية الحاكم أهم ما يستأثر به في العالم الثالث أو بالأخص في المنطقة العربية لأن الحريات التي هبت على سكان الأرض لم تشمل الأوطان العربية وجل الدول الاسلامية في البداية وهي بلا شك نية مفتعلة من الغرب - بالذات - وقصور معرفي واخلاقي لم ينتبه له إلا بعد تفاقم الأوضاع واتساع الهوة ..ومع ذلك كنا مع سياسة دولتنا وما تراه من صلاح لأن قيادتنا منا ولنا والخاسر من خالف الجماعة. رحم الله الأمير سلطان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام فلقد كان مناضلاً صلباً وسياسياً ماهراً وحاذقا للعبة بين الكبار ..رحل عن هذه الدنيا وحيداً مخلفاً وراءه تركة ضخمة وجاها عريضاً لمجتمعه ولأسرته ، والامتثال الذي يتوقعه هو تحمل العبء والظهور بما يجب هكذا كان يطمح لأنه واسع النظر وأظن بل أجزم إن من يأتي بعده لا يقلون همة عنه فالشعب الشعب والتآلف التآلف ، إن الأعداء قد يئسوا منكم ولم يبق لديهم من السلاح إلا دق الأسفين بين الشعوب وأنظمتها فاحثوا في وجوههم التراب وتوكلوا على الله ووثقوا صلتكم بالعمق والقوة التي تتنامى، أهلكم عشيرتكم شرائحكم أحفاد الصحابة والقادة المصطفين إنهم هم العدة والسارية وبأفكارهم تنقاد الرؤية وبدمائهم يخلد الوطن ..رحم الله فقيد الأمة سلطان الخير: هذي الجزيرة طه عندها يقف والروح ما بينها والعرش يختلفُ!! مواكب راعشات الطيب كم صدعت من نيرات وكم شقت لها سدفُ!! تاريخها الوهج الأسمى وحلمتها الله أكبر تنميها وتأتلفُ!! هذي المهاد التي طالت مفاتنها ولم تزل جوهر الدنيا وما تصفُ!! صوت الفراديس مشكول ببيئتها والمعجز الشهداء الخضر والصحفُ!! خلق تقلبه الأضواء مذ فطرت حتى القيامة مما فيه تزدلفُ!! آيٌ وأفئدة من دفق معجزها لا لآي تهدأ ولا فلذاتها تقفُ!! منها خلقنا وبعض الكون حمحمة وبعضه الآخر المطمور يرتجفُ!! والخلق يدري بأن النور طينتنا من قبل ان ترتق الدنيا وتنصرفُ!! من معقد الشعلة البيضاء قد وحمت نساؤنا والجدود العز والشرفُ!! فحولة دوت الدنيا بهيبتها الذكر يزخر والتاريخ يعترفُ!!