في بداية مرافعتي الموجزة عن القضية الفلسطينية اود الاشارة الى ما ورد في ديباجة الميثاق الأممي وهو معاهدة جماعية رضائية، حيث بدأت الديباجة بالعبارة الآتية (نحن شعوب الأممالمتحدة) كما نجد ان نهايتها تنص بصريح العبارة : (ولهذا فإن حكوماتنا المختلفة على يد مندوبيها المجتمعين في مدينة سان فرانسيسكو الذين قدموا وثائق التفويض للشرائط، قد ارتضت ميثاق الأممالمتحدة هذا، وانشأت بمقتضاه هيئة دولية تسمى (الأممالمتحدة)!. وهذا القول يعكس الطبيعة الخاصة للميثاق الاممي والتي محورها المصلحة المشتركة للدول الأعضاء في تنظيم المجتمع الدولي، مما يدفعها لبذل جهودها لاحترام قواعد الميثاق والمحافظة على أحكامه، والتي تحدد الالتزامات التي تقع علىعاتق الدول الاعضاء في تنفيذ اهداف المنظمة. ويبدو من ذلك بجلاء ان محور الميثاق هو المصلحة المشتركة للدول الاعضاء في تنظيم المجتمع الدولي، مما يدفعها الى ضم جهودها لاحترام قواعد الميثاق والمحافظة على احكامه، وانطلاقاً من هذه القاعدة العظيمة التي تؤكد نظرية (الملتزم عبد التزامه) الى الدخول في مرافعتي حول الموضوع وسأتناول في مرافعتي بحيثيات متعددة ولأبين جوهر القضية انصافاً للحق وتحقيقاً للعدل، وهي كالتالي: اولاً: الحيثية الأولى ان قرارات مجلس الأمن تتمتع بالقوة الالزامية، وتلتزم الدول الاعضاء في الأممالمتحدة بقبولها وتنفيذها وفقاً لأحكام الميثاق، وهو ما دعا الى القول بأن مجلس الأمن حكومة عالمية تصدر القرارات الملزمة للدول الأعضاء. ثانياً : وبناءً على الحيثية الاولى ناقش مجلس الامن الدولي في 29 نوفمبر (1947) القضية الفلسطينية وأصدر قراره الدولي (181) الذي نص على انشاء دولتين، الدولة اليهودية، تحتفظ بمساحة (56.47%) من الأراضي بمساحة (12261649) دونماً، اما الدولة العربية الفلسطينية فتخصص لها (44.88%) من الأراضي بمساحة (11589780) دونماً، واعتبر القدس دولية خصص لها (0.5%) بمساحة (175504) دونمات. ثالثاً: وفي ظل روح ونص القرار الأممي (181) اعترف مجلس الأمن بكامل اعضائه الدائمين المتمتعين بحق (VETO) والاعضاء غير الدائمين، ودعا الاعضاء الى التعاون في تنفيذ القرار المذكور. رابعاً: انه منذ ظهور دولة اسرائيل الى الوجود بعد صدور القرار الدولي (181) الذي تضمن الاعتراف بقيام دولتين فلسطينية ويهودية، ونحن نُعايش أوسع عملية (غسل مخ) من قبل وسائل الاعلام الصهيونية المسيطرة على التفكير الامريكي والأوروبي، بسلسلة كاملة من القصص والمفاهيم الخاطئة عن القرار الدولي (181) والتي اكتسبت من كثرة الدق والالحاح قوة وشرعية لنظرتها لتنفيذ القرار بغير وجه حق. خامساً: وفي ضوء السلوك الاسرائيلي في المماطلة والتسويف في تنفيذ القرار الدولي (181) المتضمن الاعتراف بالدولة الفلسطينية والتي حددت مساحتها فعلياً فإن المادة (37/1) رأت انه على المجلس ان يتدخل لاقرار قراره السابق ويوصي بعرض الموضوع من جديد بما يراه ملائماً من الاجراءات لتنفيذ القرار السابق المادة (37/2). سادساً : ان المفاوضات التي تدعو اليها واشنطن والاتحاد الاوروبي هي مفاوضات غامضة، فلم يُعرف اي شيء عما يدور فيها وماذا طرح كل من جورج ميتشل ورئيس وزراء بريطانيا الاسبق من قضايا وافكار والتي اجزم انها تخرج عن دائرة القرار الاممي (181). سابعاً: الكلام كله كما ترى يصب في اننا نركض وراء سراب للسلام، وان كلاً من واشنطن والاتحاد الأوروبي ألغوه بدليل انهم يدركون جيداً عدم جدوى الهدف الذي يسعون اليه منذ سنوات لان اسرائيل تعمل ما بين الاستفزاز والاستيطان. ثامناً: يجب الاعتراف اليوم من قبل المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الامن بأننا أي شعوب العالم ظلت على مدى العقود الماضية منذ صدور القرار الأممي (181) الذي اعترف باقامة الدولة الفلسطينية عام (1947م) نكذب على أنفسنا بأن اسرائيل من فرض الامر الواقع على الارض وتقديم ما يثبت بأن وجودها الفعلي على الأرض الفلسطينية وكأنها أرض بلا صاحب بينما صاحبها (الفلسطينيون) موجودون حسب نص وروح القرار (181). تاسعاً : اسرائيل دولة مارقة فالى متى تغالط الحقيقة وتسعى بادعاءاتها بأن الفلسطينيين هم سبب المأزق الراهن متجاهلة أهم جذور المأزق وهو استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية لأكثر من (40) عاماً حيث اقامت فيها المستوطنات. عاشراً : الى متى يتحمل العالم ممثلاً في مجلس الامن رفض اسرائيل للقرارات الدولية. الحادي عشر: ان السلوك الاسرائيلي برفضه تطبيق وتنفيذ القرارات الدولية وبالذات القرار (181) إنما يدل على حقيقة هامة جداً هي انه من أمن العقوبة.. زادت جرائمه وهذا تأكيد لأن مجلس الامن لم يقم باستخدام صلاحيته المخولة له في الميثاق الأممي للدولة التي ترفض الالتزام بقراراته وبتنفيذها تمشياً مع القاعدة القانونية المعروفة (الملتزم عبد التزامه) وهذه الصلاحيات واردة في الفصل السادس والفصل السابع من الميثاق. في ضوء الحيثيات السابقة للمرافعة عن القضية الفلسطينية أقول لأعضاء مجلس الامن الممثل لشعوب العالم بأن ما تطالب به كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي برفض مناقشة القضية الفلسطينية مرة اخرى في مجلس الامن للاعلان عن قيام دولة فلسطين وهم الذين شاركوا بكل جدية في اصدار القرار (181) بالاعتراف بقيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية في فلسطين. اقول للسادة الاعضاء لمجلس الأمن بأن ما يطالبون به امر مرفوض بل انه يتعارض مع القرار الأممي (181) الذي شاركوا في صناعته واصداره، مؤكداً بأن القرار (181) قرار بات ونهائي ويجب تنفيذه دون مماطلة او تسويف لانه صادر باجماع اعضاء المجلس. كما ان على مجلس الأمن منعاً لتفاقم الموقف ان يتخذ التدابير اللازمة وان يدعو كلاً من واشنطن والاتحاد الاوروبي للاخذ بالزام اسرائيل بتنفيذ القرار (181) وهو الاعتراف الفعلي بوجود الدولة الفلسطينية منذ عام (1947م). كما ان على مجلس الأمن أن يقرر ما يجب استخدامه من التدابير لتنفيذ القرار (181) وهو الاعتراف بالدولة الفلسطينية بجانب اسرائيل منذ ما يربو على (64) عاماً على قيامها والاعتراف بها ومن هذه التدابير غير العسكرية: تجميد عضوية اسرائيل في الأممالمتحدة والمقاطعة الاقتصادية والمواصلات بكل أشكالها. حقيقة أمر مدهش ان نسمع من وزير الدفاع الأمريكي السابق (روبرت جيتس) بوصفه نتنياهو بانه حليف (ناكر للجميل) كما تنادي صحيفة (لوموند) الفرنسية بقولها (دعونا نحلم ب (نعم) اسرائيلية في الأممالمتحدة لصالح فلسطين، كل ذلك يؤكد لنا ان المجتمع الدولي بأسره بدأ يدرك تحدي اسرائيل للشرعية الدولية، وبات مطالباً الآن بتحويل تنفيذ القرار الدولي (181) باعلان قيام الدولة الفلسطينية بجانب اسرائيل وانهي مرافعتي بأن السلام وتنفيذ القرار الدولي (181) يحتاج موقفاً دولياً أكثر حزماً مع اسرائيل لاعتقادها بأنها فوق القانون.