حتى نتعلم الجديد والمختلف في مسار حياتنا فإننا تلقائيا نتصرف وفق أنماط معينة تحكم شخصياتنا؛ وتختلف تلك الأنماط من شخص لآخر؛ وذلك حسب ما درج عليه الفرد ومدى الأثر الذي تركته التنشئة الاجتماعية فيه منذ الصغر . ويقول العالم الأمريكي الشهير جو بانتوليانو إننا يمكن أن نتعلم أشياء في مواقف غير متوقعة و من أشخاص غير متوقعين , حيث ان كل إنسان لديه شيء ما يعلمه لنا؛ ولا يمكننا التمييز بين الصحيح والخاطئ إلا عندما نمتلك توجهاً ذهنياً سليماً . وعند البدء بالحديث عن أنماط التوجهات الذهنية المتعلقة بالتعلم و التعامل مع الآخرين؛ نجد أن النمط الأول هم فئة الأفراد الذين يؤمنون بمبدأ ينص على أنه لا يمكن لأحد أن يعلمني شيئا, وهو مبدأ متغطرس في حقيقته , ويعتمد على الجهل و هو ألد أعداء التعلم , وأصحاب هذا المبدأ يظنون أنهم يعرفون كل شيء , وأنهم ليسوا بحاجة إلى اكتساب أي من العلوم أو المعارف أو المهارات من أي شخص كان مهما كان وضعه أو مستواه أو مركزه في المجتمع . و مثل هؤلاء لا يدركون حجم الخطر المحيط بهم , فلا شيء أخطر من أن يمتلك الإنسان توجهاً ذهنياً خاطئاً نحو الكمال المضاد للتعلم وتبادل الخبرات مع الآخرين. وللأسف الشديد فإن مجتمعنا يكتظ بأمثال هذه الفئة و خاصة ممن أكملوا تعليمهم العالي و أصبحوا يتقلدون المناصب الإدارية و الاجتماعية . أما النمط الثاني فهم فئة الأفراد الذين يؤمنون بمبدأ ينص على أنه يمكن لشخص ما أن يعلمني كل شيء, وهو مبدأ ساذج على الرغم من أن أصحابه يؤمنون بأن لديهم القدرة على التعلم والتطور واكتساب المعرفة المتبادلة؛ إلا أنهم يظنون أن المعرفة لا تكمن إلا عند شخص واحد فقط, وأن ما سواه هم أناس عاديون لا يتركون أي أثر على ملامحهم الشخصية والمعرفية . ومثل هؤلاء يحجمون قدرتهم على التعلم و يحصرونها من منطلق منظور واحد , مما يجعل فرصتهم ضئيلة جداً في الرقي بذاتهم في مختلف المجالات الإنسانية . ونختم بالنمط الثالث و هم فئة من الأفراد الذين يؤمنون بمبدأ ينص على أن كل شخص يمكنه أن يعلمني شيئا, وهو مبدأ ذو توجه صريح بقابلية التعلم غير المشروط , فالأفعال والأقوال الصادرة من الأفراد يمكنها أن تعلمنا الكثير والكثير من المعارف والمهارات , وإن نظرنا إلى حقيقة الأمر فإن عملية التعلم عملية لا إرادية فإن جاز التعبير نقول إن الشخص هو كآلة تصوير يستطيع أن يلتقط كل ما هو أمامه و يخزنه في ذاكرته , فبعض المهارات التي يلتقطها تصبح عادة لأنها نالت إعجابه وبالتالي تم ممارستها, والبعض الآخر يصبح مجرد معلومة يمكن استرجاعها وفقا لأهميتها ولدواعي استعمالها . وليس بالضرورة أن يكون كل ما يتعلمه المرء هو صائب, ولكن قد يكون سلوكاً متداولاً بين أبناء جيله أو عرقه أو مجتمعه , أو قد تصبح عادات أو قيماً موروثة, ولعل ذلك يظهر جلياً في كثير من القيم البالية التي مازالت تعتنقها الكثير من المجتمعات . يقول جون ماكسويل الإداري الشهير لو طلب مني أن أكتب أسماء جميع الذين تعلمت منهم على مر السنين لكان بوسعي أن أملأ قوائم وقوائم من الصفحات والأسماء . لذا علينا منذ اليوم تحديد النمط الذي يحكم توجهنا الذهني ؛ وإن كان مخالفاً للنمط الأخير نحاول أن نستدركه بشتى الطرق , فكل يوم يمضي بنا يحُسب في ذاكرة الأيام و السنين , وما أحوجنا إلى أن تكون لنا ذاكرة مشرقة أمام أنفسنا قبل الآخرين .