تألقت جدة كعادتها في كل الإجازات, الجو كان غائما رائعا, والسماء صافية, والشمس ساطعة, والطقس ربيعيا خلابا مذهلا للغاية. ولكون جدة عروس المدائن, وأكثرها ترفيهاً في مملكتنا الغالية؛ وأكثرها ازدحاما في المواسم, فزوارها كثير وعشاقها أكثر, والحياة فيها رائعة بكل المقاييس. و حجم الحب الذي يكنه الكثير لجدة لم يمنعهم للأسف من الحفاظ على رونقها وجمالها, فمازال هنالك ( أعداء النظافة ) إن جاز لي التعبير, ينتشرون هنا وهناك وتنتشر معهم القاذورات والمهملات بدون رقابة أو عناية. و ما زلنا نرى من يخرج يده أو فاه من زجاج النافذة ليدنس الطريق ببعض فضلاته للأسف الشديد, دون أدنى اعتبار لما قد يسببه هذا الفعل من تلوث في المدينة أو ازدراء لدى الأفراد, هذا بالإضافة إلى كونه يساهم في تعليم الجيل الناشئ هذه العادات والموروثات السيئة تزامنا مع ما نحاول تلقينه إياه من حب الوطن والحفاظ عليه وعلى نظافته وسلامته. وفي الجانب الآخر يجلس بعضهم على الشاطئ ويأبى بأن يغادره إلا وقد ترك عليه بصمته في فخر واعتزاز, وكأن المقياس اليوم هو حجم القذارة التي نتركها مكاننا أو نعطر بها مياه البحر أيضا دون خجل مما نفعل أو اكتراث بما قد يؤول إليه الأمر بعد ذلك. والأدهى والأمر ما يصدر من هؤلاء من شتم وسب واستهزاء بعمال النظافة ؛ ونهر لهم أثناء أداء وظائفهم, دون اكتراث للقيم الإنسانية الحسية والمعنوية لهذا العامل, فلولاه لوطأت أقدامهم يوميا ما تصنعه أيديهم في الأمس. أعلم جيدا أن ما أتحدث عنه اليوم ليس بجديد, وأنها مأساة سنوات وربما قرون سابقة, إلا أن حب الوطن والغيرة عليه يمنعنا من أن نحبط أو نيأس, ويحتم علينا ضرورة المواظبة على التوجيه والنصح والإرشاد, على أمل أن يكون هنالك من يسمع أو يعي ويدرك أن ما ندعو إليه هو قيمة إسلامية إيمانية ربانية, وتوجيه إلهي سامٍ يحث على النظافة الشخصية والبدنية والخارجية, والحفاظ على البيئة في صورتها النقية البهية, فالمكان عنوان صاحبه والهيئة مضمون صاحبها وخلاف ذلك يسوقنا لنصبح كالمنافقين نقول ما لا نفعل ولا نعقل. والسؤال الذي يطرح نفسه في سياق الكلام هو إلى متى سنظل نمارس هذه العادات السلبية السيئة؟ وإلى متى تظل مدننا الحبيبة على هذا الحال؟ وإلى متى لا تفرق هذه العادات بين متعلم وجاهل, أو بين مواطن ومقيم؟ فلا شرع ولا قيم ترضى بأن نكون أمة إسلامية تفتقر إلى النظافة والطهارة والتي ينبغي أن تكون عنوانا لها تتميز بها بين باقي الأمم وسائر المجتمعات الأخرى. ولا نملك اليوم سوى أن نخاطب العقول النيرة, ونناشد الآباء والأمهات, والمعلمين والمعلمات؛ وسائر أفراد المجتمع بضرورة دعم النظافة كمبدأ إنساني قويم ؛ والحث على أن زرعها كرغبة ذاتية شخصية ؛ حيث يبدأ الفرد من نفسه مرورا بمن حوله ثم البيئة المحيطة به, ويشمل ذلك المنزل والمدرسة والشارع والمدينة ؛ فما ندعو إليه ليس معجزة إنما هو سلوك موجود ويحتاج فقط إلى مزيد من الدعم والتعود حتى يصبح عادة لدى الصغار قبل الكبار.