صدر حديثًا عن مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية كتاب “الخُميني في فرنسا”، للكاتب الدكتور هوشنك نهاوندي، وهو مترجَم عن الفرنسية، ويتكون الكتاب من مقدِّمة للناشر، ومقدّمة للمؤلف، ثم عشرة فصول، ونهاية. من قلب الحدث: وتبرز أهمية الكتاب في موضوعه في نقد الثورة الخمينية في إيران، وما تمثِّله من مركزية في التحوُّلات السياسية والاجتماعية والثقافية، لاسيّما أنَّ مؤلّفه كان أحد أفراد النظام الإيراني في عهد الشاه، مما يُضفِي على الكتاب قيمة نوعية مهمَّة بوصفه شهادة مباشرة ورؤية من داخل الحدث الإيراني في المرحلة التي سبقت الثورة، بكل ظروفها وملابساتها الداخلية والخارجية. بانوراما للشخصيات الأساسية ويُمثل الكتاب رؤية تحليلية ومعلومات الحَدَثِيَّة معزَّزة بالوثائق في مختلِف مفاصل الحدث الإيراني، بأسلوب أكاديمي رصين مستوعب لمختلف علاقات وسيرورة الأحداث في صياغة ناجحة في تقديم الصورة المتكاملة حَدَثيًّا وتحليليًّا، من وجهة نظر الكاتب، بالإضافة إلى قدرة المؤلّف، لا على الحدث ومتعلقاته السياسية فحسب، بل على رسم بانوراما كاملة للشخصيات الأساسية ثم الثانوية المؤثّرة بدرجات متفاوتة في صناعة المشهد، مِمَّا يضع القارئ أمام حدث متصل بوقائعه وشخوصه وآثاره. فصول الكتاب: ويتناول الفصل الأول سيرة مركَّزة لحياة الخميني تشمل السنوات الخمسين الأولى من عمره، وإشكالية نَسَبه الذي يرجّح أنه هندي، وتعدُّد بطاقات الأحوال الشخصية التي حملها منذ فتوّته حتى ثورته، ثم جانبًا من حياته الاجتماعية وعائلته وظروفه المعيشية، ثم توضيحًا لسماته الشخصية من عدم الانضباط وتناقض المزاج وَفْق ما صرَّح به الخميني عن نفسه، وما كُتب عنه من مصادر مطلعة، تلك السمات التي سيستصحبها الكاتب ليلاحظ أثرها في قراراته وحركته في ما بعد، وبعض الظروف التي أضفت غموضًا على شخصيته. وفي الفصلين الثاني والثالث، يرصد الكاتب البدايات السياسية للخميني، ولكنه يعرضها متزامنة مع واقع التحوُّلات في المشهد السياسي والاجتماعي الإيراني، مركِّزًا في كل ذلك على أن الظروف التي كان ينتهزها الخميني لتحقيق مكان له على خريطة المشهد السياسي كانت تُخفِي دائمًا عاملًا مجهولًا يُظهِره بشكل مفاجئ على مسرح الحدث السياسي، هذا العامل أو تلك العوامل هي ما سيفسره الكاتب بعد ذلك، وهو يوالي شهادته ورؤيته التحليلية التوثيقية للتحوُّلات السياسية في تلك الحِقبة. وفي الفصلين الرابع والخامس، يتوسَّع المؤلّف برشاقة مستوعبة في عرض المشهد المتأزم في إيران وتوالي الأحداث التي أدَّت إلى نفي الخميني إلى بغداد، والعوامل التي أدَّت إلى توافق المعسكرين الغربي والسوفييتي على التخلُّص من نظام الشاه -يعزوها أكثر إلى وطنية الشاه ورغبته في تكوين حلف إقليمي مستقلّ- ثم يتنقل بمهارة بين المشهد السياسي بمؤثراته الخارجية والداخلية، والخميني، متتبِّعًا ظروف وقوع الخيار التوافقي الغربي السوفييتي عليه ليكون عنوان الثورة القادمة وقائد إيران بديلًا لنظام الشاه، ثم يُلقِي مزيدًا من الضوء على حالة التفكك والانهيار والضعف في بنية نظام الشاه، غير مُهمِل عرض تحليل لشخصية الشاه وأثر تردُّده في التعجيل برحيله. وفي الفصول السادس والسابع والثامن يأخذنا الكاتب إلى باريس، مستقَرّ الخميني في مرحلة ما قبل الثورة، ليعزِّز رؤيته بمزيد من التصريحات الرسمية والتحقيقات الصحفية والوثائق، وهو يكشف اللثام عمَّا جرى في أثناء إقامة الخميني في نوفل لوشاتو، واتصالاته مع الغرب من جهة ومع الداخل الإيراني من جهة أخرى، وما حُشِدَ للخميني من رأي عامّ دولي اشترك فيه سياسيون وإعلاميون ومفكرون وروائيون غربيون، وروّج له فيه حزبيون يساريون في الخارج، بحيث صُوّر في صورة المنقذ للشعب والدولة وحلفائها، ودور المرتزقة من الفصائل المختلفة -كما يسمّيهم الكاتب- في تأجيج الوضع الداخلي لصالحه. وفي الفصلين التاسع والعاشر يقدّم الكاتب صورة مشهد بين رجلين، أحدهما يستعدّ للعودة منتصرًا إلى طهران، والآخر يبحث عن خروج كريم منها تاركًا عرشه، وبين الحالتين مزيد من الأحداث والإجراءات الضامنة لإتمام هذه اللعبة، على حدّ تعبير الكاتب. وفي مختلف فصول المشهد، يحاول الكاتب البرهنة على محورية الإرادة والقرار الخارجيَّين، لاسيّما الأميركيَّين، في صنع الثورة التي عُرفت ب”الثورة الإسلامية”.