كل مسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه ، هذه الكلمات كانت في مجمع غفير من الصحب الكرام ، نطق بها سيد الأنام ، عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع . لتكون سمة لهذا الدين ، هذا الدين الذي جاء بالعدل والقسط وفيه التأكيد على الوزن بالقسط ، وأن لا نبخس الناس أشياءهم ، وأن نعطي كل ذي حق حقه . ولا ريب أن المسلمين يتفاوتون في التقوى والصلاح والتمسك بالشرع الحنيف ، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله . بيد أن الكل موعودون بالرضا والجنة على تفاوت درجاتهم ، حتى لو عذب أحدهم بذنب لم يغفره الله له فإنه سينتقل بعد ذلك إلى الرضا والجنان ، ثبت هذا في كتاب الله ، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وعليه سلف الأمة وخلفها . ومما لا يختلف عليه اثنان أن المسلم مهما كان عاصيا أو فاسقا فإنه لا يمكن لأحد أن يمنعه من دخول بيت الله الحرام والصلاة فيه ، وأن له أن يطوف بالبيت العتيق ، وأن يستلم الحجر الأسود ويقبله ، وأن له أن يستلم الركن اليماني ، وأن له أن يصلي في الحجر ، وأن له أن يلصق بالملتزم ، وأن يصلي خلف مقام إبراهيم ، وأن يعتكف بالبيت الحرام ، وأن يدخله في أي ساعة شاء من ليل أو نهار . فإذا اتفقنا على ما تقدم فإن السؤال بعد ذلك هو :فعلام الضجة والإنكار على من دخل جوف الكعبة وشارك في غسلها ؟ ولم لم يذكر لنا المانعون والمنكرون دليلا من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم يثبت قولهم ، وأن دخول جوف الكعبة مخصوص لأناس لهم صفات خاصة ، أو سمة مميزة ؟ إذا كان للمسلم أن يصلي في الحجر وهو جزء من الكعبة ، وصح له أن يصلي الفرض في جوفها على خلاف عند أهل العلم ، وصح له أن يصلي فيها النافلة ، قال ابن قدامة : وتصح النافلة في الكعبة وعلى ظهرها ، لا نعلم خلافا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في البيت ركعتين . اه. فكيف يمنع من أن يدخلها كي يشارك في غسلها ؟ ومن العجيب ما ذكره بعضهم من جعل ذلك من عدم تعظيم شعائر الله ، بل جاوز بعضهم الحد فيما نسب إليه من قياسه المسلم على المشرك باستدلاله بآية التوبة { إنما المشركون نجس } فجعل المذنب في رأيه كالمشرك ، وبالتالي حرم عليه دخول جوف الكعبة ، وهذا من أعجب الأدلة التي قرأت ، فإن الآية تمنع المشركين من دخول المسجد بالكلية ، بل حدود الحرم كلها ، فهل يقول أحد بمنع صاحب الكبيرة من دخول الحرم والطواف بالبيت العتيق ، بله صاحب الصغيرة؟ علما بأن العلماء قد اختلفوا في هذه المسألة على خمسة أقوال . وعند أبي حنيفة أن الآية في المشركين لا في أهل الكتاب . والشافعي يجيز ذلك للحاجة . إن التهويل الذي يقوم به بعض طلبة العلم لبعض ما قد يرونه معصية لشيء عجاب ، حتى إنه ليخيل لك أنهم يتحدثون عن إحدى السبع الموبقات ! وهب أنهم احتجوا بالمجاهرة كما يزعمون ، فأين دليلهم في منع المجاهر بالصغيرة من دخول البيت والطواف به ؟ وما دليلهم على التفريق بين ظاهر البيت وجوفه ؟