ازددت يقينا في رحلتي نهاية الأسبوع الماضي إلى اليمن بأن الإسلام يدفع أتباعه للعمل أكثر كلما طوقتهم العراقيل ، وضاقت بهم السبل ! فاليمن كما هو معلوم ، يعيش في فترة عصيبة نتيجة رياح الربيع العربي التي هبت عليه ، وأثرت على أمنه واستقراره واقتصاده . وليست هذه المرة الأولى التي أزور فيها بلاد الفقه والحكمة والإيمان ، كما ثبت عن حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم وصفه لأهلها بذلك ، وكما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام وصف أهل اليمن بأنهم أرق الناس أفئدة ، وألينها قلوبا . وكل من زار تلك البلاد التي تفاخر بقول الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم ، وحق لها ذلك ، يجد تصديقه في واقعهم ، فإنك تجلس مع أكابر علمائه فتجده في التواضع لا يجارى ، ولا تكاد تفرق بين ذي الجاه منهم وعامة الناس . والقضية التي لفتت انتباهي ، وكل من حضر فعاليات الاحتفال بالعرس الجماعي الذي حاز على شهادة من موسوعة جينيس للأرقام القياسية ، حيث احتفل بزفاف أربعة آلاف عريس وعروس ، هو الجهد المبذول للعمل الخيري والدعوي رغم كل الظروف التي يعيق العاجزين بعضها . وهذا ما دعاني للنظر من زاوية هذا الدين العظيم ، الذي يدفع أتباعه للعمل في ظل الظروف الصعبة أكثر مما يفعل في ظل الترف والنعمة . واليمن مثال ، وإلا فإني رأيت ذلك في كثير من البلاد التي زرتها ، حيث يكون الإسلام مستضعفا ، أو قليل أتباعه ، فإن العمل الخيري والدعوي فيها يكون أكثر دقة وأقوى عزيمة من غيرها . فالإسلام يتحدى الواقع ؛ لأنه هو الذي يصنع الواقع ، وعنده القدرة على تغيير الواقع والتكيف معه بما يوافق تعاليمه ومنهجه . لكنه يحتاج إلى قوم يؤمنون به ، ومن ثم يبذلون ما يستطيعون من قوة لنشر دينهم والحفاظ على قيمهم ، والدعوة إلى منهجهم ، وسرعان ما يرون الثمرة قد حان قطافها ، وهي أحلى ما تكون مظهرا ومخبرا . فقلة الموارد لم تكن عائقا لأهل الخير في اليمن من البذل والعطاء ، والتكاتف والتعاون والسعي على الأرملة والمسكين ، وبذل المال لرد الناس إلى دينهم ، وتعليمهم قيمه وأخلاقه . ومن رحم تلك المعاناة ولدت أفكار ، وطبقت مفاهيم أنتجت ما لم يتوقعه حتى المتفائلون الذين رسموا خطة العمل ، وكان لهم شرف البدء به . ومما لا بد أن يشار إليه ما للهيئات الشعبية والمؤسسات من أثر في النجاح ؛ لأنها تعمل لله ، ولا تنتظر العطاء من غيره ، ولا تعيقها بيروقراطية الحكومات ، ولا تعقيد النظم والقوانين . ولقد كان ذلك التجمع التلقائي من خيرين كثر من غالب أمة الإسلام لشيء يثلج الصدر ، ويفرح القلب ، حتى من بلاد جريحة لم تزل تنزف دماؤها الطاهرة ، ولم تزل تعاني الأمرين كان لبعض الخيرين فيها مشاركة ، وعرفنا عن طريقهم ما يبذل من أهل الخير في تلك البلاد ، وما يسفر عنه الهم والغم الذي يغشى سماءها ، ويلف أرضها ، مما يثبت ما أشرت إليه في أول المقال . وخرجت من ذلك بيقين هو الذي أريد أن أخلص من مقالي هذا به ، ليفقهه كل من قرأ ، وليعلمه كل من جهل : إن الإسلام باق ، بكل قيمه ومنهاجه ، وهو دين منصور ، سخر الله للعمل له أناسا لا يعلمهم في كثير من الأحيان إلا هو ، فلا تظنن أخي الكريم أنك إن لم تقم بالعمل للدين أن الدين سيفقدك ، بل أنت من خسر أجر العمل له ولذته . وصدق الله إذ يقول { ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ، إن الله لغني عن العالمين } .