الله الله في حماية الممتلكات، وصيانة الأعراض، وبناء البلاد بسواعد متعاونة على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان، وأن نكون حصناً منيعاً لا يمكن لمخرب أو مغرض أن ينال من تلاحمه، أو يخرق خرسانة بنيانه.. في زمن تقاربت فيه القارات، واختلطت فيه الثقافات، وتقاطعت فيه المصالح، وكثرت فيه المؤامرات، وعج الفضاء بالمآسي، ونقل على الهواء أخبار وصور الثورات، والاقتتال والجوع وتهريب الإنسان عبر المحيطات، ينجو أحياناً فتتلقفه أيدي المنصرين والمضلين، تحمل الورود، تحتضن اللاجئين، لتلقي بهم في نعيم الدنيا، وجحيم المنكرات. في مثل هذا العالم الذي نراه، ونسمع عنه، وتنقل أخباره، ننعم بحمد الله وفضله وكرمه وجوده وإحسانه ببلد آمن، مستقر، تظلله الوحدة، وتغشاه السكينة، وتتعانق فيه القلوب بالرحمة، والتآلف، والتكاتف. يشق طريقه إلى العلياء بكل ثقة، وعزم، وحزم، لا يلتفت إلى أصوات الناعقين تريد تفريق صفه، وتفتيت لحمته، وتشريد أبنائه! هذه الأصوات الغرابية التي لا ترى في وطننا الغالي إلا أخباراً من هنا وهناك عن فقير أو مسكين أو عاطل، لتجعل من خبره قصة تروى، أو حدثاً ينكأ جرح التفرق والشتات الذي عالجته همة قائد ألهمه الله وأعانه، وسدده حتى لمّ الشمل، ووحد الصف، وأقام عماد التوحيد راسخة في أرجائه، فلا يعلو صوت فوق صوت العبادة لله الواحد القهار، بل جعل رايتها خفاقة بالشهادتين، تميزت بها كما تميزت بموقعها، ورعايتها للحرمين الشريفين، واتفاق مواطنيها على الإسلام، ديناً قيماً، متفرداً في القلوب، تحميه الأذرع بالسلاح، وتفتديه بالأرواح. إن وحدة الوطن، وتآلف أهله من أجلّ النعم التي ينعم بها الإنسان، والله تعالى يقول في النحل: «وما بكم من نعمة فمن الله» وفي نفس السورة يضرب لنا مثلاً فيقول: «وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان» وفي سبأ يذكرنا بقصة سبأ فيقول عنها: «لقد كان لسبأ في مساكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة، ورب غفور». فتوج الله المثل والآية بذكر النعيم من رغد العيش واستقرار الحال، التي لا تتغير ولم تتغير إلا بتغيير الحال إلى ما يناقضها، ففي النحل قال عن القرية: «فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون» وقال عن سبأ: «فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم، وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل». وحالنا اليوم كما في أول المثل في القرية وفي آية سبأ، بيد أن بعض الناس ما زال يكفر نعمة الله، ويزدريها، ولا يشكرها، ولا يثني على الله بها، وكأنه لا يرى خيام المشردين، ولا يسمع أنات المصابين، ولا ينظر إلى حال الثائرين، وهم يتحسرون على حكام كانوا ظالمين، ويتمنى رجوعهم ويكثر الحنين. ولو تأمل المسكين حاله، ونظر في النعم المحيطة به من كل جانب لعلم أن المثير لعواطفه لا يريد به ولا له خيراً، فهو إما حاسد أو حاقد، ذئب في جلد حمل، حية رقطاء ناعمة الملمس لكن لدغتها تنقل الملدوغ إلى القبر في لحظات. إن هذا البلد الأمين الآمن، المستقر الموحد، قد أضنى من أسسه في توحيده سنين عدداً، وبُذلت في تلك الغاية مهج وأرواح، وما زالت تُبذل في حمايته مهج وأرواح، كما هي الحال في حدوده الجنوبية، حيث يسهر أبطال من أبنائكم وإخوانكم، فيصابون ويقتلون، ويرهقون، لتنعموا بما أنتم فيه من الراحة والهناء، والاطمئنان. وكل غاش وخائن لا بد أن يبدأ بتشويه سمعة الحاكم، والتحريض على ولي الأمر، ليسقط هيبته في أعين الرعية، ويتصيد الأخطاء ويتعمد تغطية الحسنات، ويتلقف ما تنشره الصحف الحاقدة، أو العدوة التي يعلم كل مسلم أنها وإن ذكرت خبراً حقاً فإن ما يرافقه من الكذب أضعاف مضاعفة، كما يفعل مسترقو السمع من مردة الشياطين. فالواجب على المرء منا أن يوقف هؤلاء عند حدهم، فلا يترك لهم مجالاً يوغرون فيه صدره على بلده وحكامها، وعلمائها، حين يصفون الحكام بالخونة والعلماء بأنهم علماء السلطان، ويوهمون الجهلة من الناس أن العلماء مداهنون، وأنهم قد باعوا أنفسهم للحاكم الخائن كما يزعمون، وهم إنما يريدون الإصلاح، وينشدون الحرية، والحق أنهم هم المفسدون، وهم الخائنون، وهم المخالفون، الذين خالفوا أمر الله في قوله: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، وقول رسوله صلى الله عليه وآله في وصيته الجامعة لأمته، بعد موعظته الموصوفة بأنها موعظة مودع: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً». فلا بد من حفظ نعمة الله، وصيانتها والعمل على تنميتها وزيادتها بالشكر، لله أولاً، والثناء عليه بما أنعم وتفضل، ثم بالشكر لمن ولاه الله تعالى أمرنا، فإن شكرهم من شكر الله، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، ونعينهم بالنصح في انفراد، والدعاء لهم في ظهر الغيب، والذّبّ عن أعراضهم في غيبتهم، والصبر على ما قد يقع من الخطأ والتقصير، فإن الإنسان مهما أوتي من قوة وأمانة فإنه يبقى بشرًا غير معصوم.. ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرءَ نبلاً أن تعد معايبه والنظر إلى النعم التي تحيط بنا، ولا يزهدنا فيها من يسعى إلى زوالها وانتزاعها منا، ولن يرتاح له بال حتى يرى ابن الوطن مشرداً مثله، أو مثل أعدائه الذين تفرقت بهم السبل، واحتضنتهم الخيام، حتى صار العيش على رصيف في الوطن من أعز أمنياتهم، فإن الوطن ليس مجرد التراب، ولا المسكن، إنه أسمى من ذلك وأغلى، إنه الانتماء، إنه المحضن والمأمن، أرضه فراش وثير، وسماؤه غطاء من حرير، وهواؤه نسيم عليل، وسل كل واحد ممن اغترب حولك عن وطنه، سينبيك الجواب بدموع وآهات. فالله الله في حماية الممتلكات، وصيانة الأعراض، وبناء البلاد بسواعد متعاونة على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان. وأن نكون حصناً منيعاً لا يمكن لمخرب أو مغرض أن ينال من تلاحمه، أو يخرق خرسانة بنيانه. حماية لأنفسنا، ولأهلينا، ولمن نحب، فإن من أجل النعم أيضاً ما امتن الله به على نبيه صلى الله عليه وآله في قوله: «هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم»، وامتن على الصحب الكرام بقوله: «واذكروا نعمة الله عليكم، إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخواناً». وكل بلاد العالم بلا استثناء فيها الفقير والغني، فيها القوي والضعيف، فيها المصلح والمفسد، فيها المؤمن والمنافق، فيها التقي والفاسق، ولا يخلو بلد من بلاد العالم قاطبة من مجرم يسطو على بنك، أو قاتل يقتل ظلماً وعدواناً، ولا يخلو بلد من فاعل للمنكر ومن متفاخر بالخطيئة، فلا تجعلوا الأخبار التي تؤخذ من هنا وهنا متكأً للتحريض على البلد وقادته، ونشر البلبلة والإثارة والإرجاف، فلستم بمنأى عن العالم، ولا يوجد في الأرض بقعة يسكنها بشر ثم لا يُعصى الله فيها، بأي نوع من المعصية، الكبيرة أو الصغيرة، وهذا ليس في هذا الزمان فحسب بل في كل زمان، عبر القرون الخاليات. فلا يستفزنا خائن بخبر في مدينة كذا أو كذا صار كذا أو كذا، ليجعل من ذلك دليل انقلاب الحال، وانتشار الفساد وتزعزع الأمن، فالواقع الذي نعيشه يكذب ذلك، ويثبت عكسه، فما زلنا وسنظل بحول الله وقدرته، وفضله ونعمته، ثم بفضل ما يمن به على هذا البلد من الولاة الراشدين، والعلماء الناصحين، والرعية النابهين، سنظل في خير ونعمة، وأمن واستقرار، نعيد في كل عام تذكر هذه النعمة، ونترحم على من كان سببها، ومن سعى فيها ووضع حجر الأساس لها، حتى اجتمعت بلداً قوياً مأرز إيمان، وحصن أمان، ودار سلام، وعرين أسود، تحمي الحمى بكل قوة وأمانة، يشار إليه بالبنان، ويتمنى العيش فيه كثير من بني الإنسان. والله أسأل أن يتغمد برحمته مؤسس البلاد وموحدها، الملك عبدالعزيز آل سعود، الذي بقيادته لشرعه خضعنا، وعلى كتابه اجتمعنا، ولسنة نبيك صلى الله عليه وآله اتبعنا، اللهم تول عنا جزاءه، وأجزل يوم العرض عليك عطاءه، وأن يرحم أبناءه الملوك الذين خلفوه، وساروا على نهجه وما خالفوه، وأن يمد بعونه وتوفيقه خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأن يؤيده بتأييده، ويوفقه لما يحب ويرضى، ويأخذ بناصيته للبر والتقوى، ويجعل ولي عهده له عضيداً، وركناً شديداً، ويلهمهما الرشد، ويوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، وينصر بهما الحق والعدل، ويهيئ لهما من أمرهما مرفقاً. هذا، والله من وراء القصد. Your browser does not support the video tag.