في برنامج حواري محلي، أربك الإعلامي السعودي الجريء -جمال خاشقجي- دائرة النقاش بجملة "أخرجوا الأجانب من جزيرة العرب"، وهي الجملة التي تسببت في إثارة الجدل حول ما قال على وسيلة التفاعل الاجتماعي الأكثر تأثيراً في المملكة "تويتر"، ما دفعه لتوضيح ذلك في زاويته الأسبوعية بصحيفة الحياة بقوله: "بالطبع لم أقصد إخراج الأجانب بإطلاق العبارة من دون تقييد، فالمملكة بلد منفتح، وذات اقتصاد حر، وتريد أن تكون «جزءاً من العالم.. ولن تنسلخ عنه»، وهي جملة بليغة قالها العاهل السعودي الملك عبدالله قبل سنوات في إحدى وصاياه التاريخية التي شكّل ورسم بها مستقبل المملكة وحاضرها، وبالتالي سيبقى أجانب فيها يشاركوننا حياة سعيدة نسعى إليها. ولكن الوضع الحالي غير طبيعي، فتعداد سكان المملكة اقترب من 20 مليوناً، يشاركهم العيش بها 10 ملايين أجنبي، منهم 8 ملايين بشكل رسمي، ومليونان أو أكثر غير نظاميين أو من دون جنسية، وبالتالي فثمة أجنبي واحد «يخدم» بشكل أو آخر كل سعوديَين". حديث خاشقجي أكده التقرير الإحصائي لوزارة العمل لعام 2011م، الذي أكد أن هناك أكثر من 1.5 مليون منشأة، تمثل أكثر من 86% من المنشآت في القطاع الخاص. غالبية هذه المنشآت المتناهية الصغر، تعتمد بشكل كلّي على العمالة الوافدة التي حولت خلال العام نفسه 104 مليارات ريال. وتواجه الجهات الرسمية في المملكة أزمة العمالة غير النظامية؛ حيث بدأت منذ مطلع إبريل الجاري مهمة الضبط والترحيل لمخالفي نظامي الإقامة والعمل، عبر لجان مشتركة من إمارات المناطق والجوازات والعمل، بعد قرار من مجلس الوزراء -في السادس من جمادى الأولى- يقضي بعدم جواز أن يترك صاحب العمل عامله يعمل لدى الغير، ولا يجوز للعامل أن يعمل لدى صاحب عمل آخر، كما لا يجوز لصاحب العمل توظيف عامل غيره. وأوكل القرار لوزارة العمل التفتيش على المنشآت، والتحقيق في المخالفات التي يتم ضبطها من قبل مفتشيها، ومن ثم إحالتها إلى وزارة الداخلية لتطبيق العقوبات المقررة بشأنها. كما أقر مجلس الوزراء أنه لا يجوز لصاحب العمل أن يترك عامله يعمل لحسابه الخاص، كما لا يجوز للعامل أن يعمل لحسابه الخاص، وتتولّى وزارة الداخلية ضبط وإيقاف وترحيل وإيقاع العقوبات على المخالفين من العاملين لحسابهم الخاص (العمالة السائبة) في الشوارع والميادين والمتغيبين عن العمل (الهاربين) وكذلك أصحاب العمل والمشغلين لهؤلاء والمتستّرين عليهم والناقلين لهم، وكل من له دور في المخالفة وتطبيق العقوبات المقررة ". ولجدية تنفيذ توجيه خادم الحرمين الشريفين -الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود- سارعت كلّ من وزارة الداخلية ووزارة العمل، بإعطاء فرصة للعاملين المخالفين لنظام العمل والإقامة في المملكة لتصحيح أوضاعهم في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من السبت الماضي، ومن لم يقم بذلك فيطبق بحقه النظام. التوجيه وجد قبولاً وسط قطاعات الأعمال في المملكة، أشاد به رئيس مجلس الغرف التجارية السعودية -المهندس عبدالله المبطي- مؤكداً أن ذلك من شأنه أن يتيح الفرصة لهذه العمالة أن تعمل بشكل نظامي، يخدم منشآت الأعمال السعودية بالدرجة الأولى، إضافة إلى أصحاب منشآت الأعمال الخليجيين المستثمرين في المملكة، معتبراً ذلك فرصة للقطاع الخاص للتصحيح التدريجي لأوضاع عمالتها، التي أتاحتها تلك التوجيهات، وأن تتعاون العمالة المخالفة لنظام العمل مع وزارة الداخلية والعمل لتصحيح الأوضاع خلال المهلة المحددة. وأشار المبطي إلى أن القرار من شأنه أن يضع القطاع الخاص في السعودية -الذي يعتبر داعماً أساسياً للقطاع الخاص الخليجي- في المحك الحقيقي، من أجل خلق نوع من الاستقرار الاقتصادي للشركات والمؤسسات الوطنية، والسير في الطريق الصحيح من أجل توطين العمالة الوطنية. ويعود الكاتب جمال خاشقجي للكتابة عن الموضوع مجدداً بمقال يحمل إسقاطات سياسية عن ما يحدث مع العمالة الرخيصة عنونه ب "في زمن الربيع العربي.. تجدد السعودية خلاياها" اعتبر فيه أن "المشكلة أننا لا نعرف ما الذي تريد الدولة بهذه اليقظة المتأخرة والرغبة الشديدة في تطبيق نظام قديم هي من وضعه قبل سنين، ثم تركت السوق تتعود على توظيف العمالة الأجنبية غير النظامية، الفار منها من كفلائها والمقيم غير الشرعي؟ كل ما لدينا من معلومات هو قرار مجلس الوزراء المشار إليه، الذي على رغم نظاميته لا نعرف هدفه، هل هو السعودة، أم مجرد تطبيق للنظام، أم أنه ذلك الهدف الأمني الاستراتيجي بخفض عدد العمالة الأجنبية. من جهته لخص الناشط الاقتصادي -المهندس عصام الزامل- إن الاعتماد على اليد العاملة الرخيصة –على عكس ما يعتقد كثيرون– يشكل ضرراً كبيراً ليس على الاقتصاد فحسب، ولكن حتى على المستوى المعيشي للمواطن على المدى الطويل، فقدرتنا الشرائية تتآكل بشكل مستمر، بسبب عجز الاقتصاد عن النمو في القطاعات المنتجة التي ترفع من الدخل الحقيقي للمواطن وتوفر الوظائف عالية الجودة، كما تزيد من وفرة السلع، وبالتالي تخفض أسعارها، ولذلك فإن المخرج من هذه الدوامة، هو البدء في مراكمة الرأسمال المنتج (كالمصانع والمعدات وغيرها) والتوقف عن الاعتماد على اليد العاملة الرخيصة. ويؤكد -في تدوينه أخرى- أن الغالبية العظمى من شركات المقاولات تستخدم العمالة السائبة أو تستأجر عمالة من شركات أخرى , مشيراً إلى أن استمرار الحملة ضد المخالفين ونجاحها في القضاء على ظاهرة العمالة، ومنع أي شركة من إعادة تأجير عمالتها، سيكون له أثر بالغ على الحركة الاقتصادية وعلى كفاءة أداء شركات المقاولات والصيانة والتشغيل. ويلمح الزامل إلى أن وزارة العمل كانت طوال السنوات الماضية تنظر بعين الريبة لكل شركة تطلب استقدام العمالة، لأن نسبة كبيرة من تلك الطلبات لا تنوي استخدام العمالة ضمن منشآتها، بل تنوي إعادة تأجيرها أو تركها كعمالة سائبة. لكنه بعين الخبير، يؤكد أنه عندما يطبق القانون بصرامة، لن تطلب الشركات أكثر مما تحتاجه من عمالة. وستتمكن وزارة العمل من الاطمئنان إلى أن غالبية طلبات الاستقدام صحيحة، وقائمة على الاحتياج الحقيقي للمنشأة.