تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ عبدالباري الثبيتي في خطبة الجمعة اليوم عن الانتماء وصوره، موصيًا فضيلته المسلمين بتقوى الله عز وجل. وقال فضيلته: الانتماء زيادة وارتفاع وهو شعور يدفع صاحبه للارتقاء وينمي الولاء واستشعار الفضل، وأجلّ انتماء هو شرف اتصال العبد بالله جل في علاه الذي يفضي إلى الاطمئنان والاستقرار والسعادة الأبدية، قال الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}، ومن صور الانتماء: الانتماء إلى الإسلام الذي هو أعظم نعمة، وإذا حلت المحن وتنوعت صنوف الإغراء واشتدت المصائب واشتعل لواء الحرب على الإسلام يبقى الانتماء إلى الإسلام قويًّا لا يتزعزع وراسخًا لا يتردد. وأضاف: إن عظمة الانتماء إلى الإسلام نراها في الارتقاء بكل العلاقات عن اللوثات العنصرية، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، فالإسلام يأبى كل الانتماءات الحزبية الضيقة والعصبية المقيتة، فضلًا عن الانتماء لأهل الباطل؛ لقوله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ليبقى انتماءً شامخًا واحدًا نقيًّا. وبيّن فضيلة الشيخ عبدالباري الثبيتي أن الانتماء إلى الإسلام هو الانقياد والاستسلام والتزام الجوارح وطاعة الله والولاء لله ولرسوله، مشيرًا إلى أن الانتماء للإسلام يقتضي الانتماء للأمة بالشعور بأحوالها والعمل على نصرتها؛ لقول الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم، مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو، تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى)، كما أننا ننتمي إلى تاريخنا الذي حمل لواء الهداية للعالم ولغتنا الخالدة لغة القرآن الكريم. ومضى فضيلته يقول: إن من الانتماء انتماء العاطفة الذي هذّبه الإسلام ووجّه مساره وضبط حركته، وفي الأخلاق يظهر صدق المسلم للإسلام في هيئته وكلامه ولباسه وسلوكه، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، وقال: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)، مشيرًا إلى أن ضعف الانتماء يقترن بذوبان الشخصية وتميُّعها، وقد يستحي أن يُظهر بعض شعائر دينه. وأكد إمام وخطيب المسجد النبوي أن الانتماء للوطن أمر غريزي، وحبه فطري، وقد ابتلى الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بفراق الوطن؛ فقال: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت)، ولما علم أنه سيبقى مهاجرًا دعا بتحبيب المدينة إليه وكان يدعو لطيبة وطنه بكل خير؛ فكان يقول (اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَيْ ما جعلت بمكة من البركة). وأضاف فضيلته: إن الإسلام ضبط عاطفة حب الوطن وأحسن توجيهها، موضحًا أن الانتماء للوطن يتوافق مع الانتماء للدين، بل إن حب الوطن مستمد من الانتماء إلى الإسلام؛ فإن الانتماء للوطن ولاء بحكم الشرع؛ فهو قيمة إسلامية لبناء مجتمع قوي بعقيدتهم ثم بمجموع أفراده، وقوة الانتماء للوطن تعزز الأمن بكل صوره وتحصّن من الغزو الفكري، وتقوي اللحمة الداخلية التي تحمي ممن يريد إحداث الفتن والقلاقل في الوطن. وبيّن فضيلة الشيخ عبدالباري الثبيتي أن من مقتضيات الانتماء للوطن محبته والتضحية له، وتقدير علمائه وطاعة ولاة أمره، والقيام بالواجبات والمسؤوليات، والحرص على ممتلكاته ومؤسساته، واحترام أنظمته والعمل على تنميته، وبذل المال لفقرائه وسخاء النفس مع أبنائه ودعم ومشاريعه.