يحدثني رجل أعمال صديق أنه كان في أحد المصانع الصينية يفاوض على إنتاج سلعة خاصة به وكان يفاوضهم على جودة السلعة وأن تكون عالية، فكانوا ينصحونه بخفض الجودة لأن السوق السعودية لا تتحمل هذه الجودة العالية ولن تستطيع سلعته المنافسة. والاقتصاديون يقولون السلعة الرديئة تطرد السلعة الجيدة من السوق. وهذه حقيقية واقعة. لكن السؤال المهم ما الذي جعل سوقنا مكباً لنفايات مصانع الصين؟ خصوصاً إذا علمنا أن المشكلة ليست في الصناعة الصينية، فهي تغطي أسواق العالم بمنتجاتها ذات الجودة العالية، من هنا ندرك أن أصل المشكلة لدينا. فهل مشكلتنا في المستهلك الذي يسعى إلى شراء السلع الرديئة لرخص ثمنها غير مدركٍ لتكلفتها العالية على المدى الطويل مالياً واقتصادياً وصحياً وبيئياً. او أن الدخل المادي للشريحة الأكبر من الشعب السعودي لا تستطيع تحمل تكاليف السلع الجيدة ما اضطرهم إلى التوجه لتلك السلع الرديئة. أم أن السبب يعود لعدم وجود قوانين تحمي أسواقنا من تلك السلع التي تستنزف جيوب الناس وإقتصاد البلد، كما صرح بذلك مدير عام الجمارك بقوله أنه لا يستطيع منع دخول السلع الرديئة لأنه لا يوجد قانون يمنع ذلك. مع تحفظي الشديد على هذا التصريح. أم أن المواصفات والمقاييس السعودية منخفضة لدرجة تسمح باستيراد تلك النفايات المسماة سلع؟ أو أن المواصفات والمقاييس أصلا لا تغطي السلع التي تُلقى في أسواقنا. أم السبب في سوقنا المفتوح على مصراعيه لكل منتجات العالم كوننا لا ننتج إلا أقل القليل مما نحتاج. أو الرقابة على الجودة والسلع المغشوشة والمقلدة تكاد لا تذكر، بل إن المستهلك يقوم بالدور الأكبر في هذا الجانب. وكم سمعنا شكاوى حماية المستهلك من عدم قدرتها على القيام بدورها لضعف الامكانيات. لكن ماذا عن التجار وجشعهم، فعوائد السلع الرديئة أكبر بكثير من السلع الجيدة لسببين الأول أن تكلفتها على التاجر منخفضة جدا وبالتالي يكون هامش الربح عالي، والسبب الآخر أن إستهلاك تلك السلع عالي لانخفاض جودتها وخلال عمر السلعة الجيدة يمكن إستهلاك ثلاث سلع رديئة من نفس النوع. فكيف إذا علمنا أن العمالة الوافدة أصبحت تسورد السلع من الصين مباشرة إما باسمها كمستثمر أجنبي أو بواسطة متستر سعودي او من خلال تُجار الشنطة الصينيون الذين يجوبون أسواق المملكة بتلك النفايات ذات العوائد المرتفعة . حتى السلع من الماركات المشهورة أصبحت تدخل السوق السعودية بجودة منخفضة عن مثيلتها في دولة المنشأ كما رأيت ذلك بعيني في عدد من السلع. واحد أسباب انخفاض جودة السلع المشهورة في السوق السعودية هو لجعلها قادرة على المنافسة في سوق تسيطر عليه السلع الرديئة. وكم نشاهد من إعلانات من شركات عالمية تحذر من وجود سلع مقلدة لسلعها في السوق السعودية. خلاصة القول أن سوقنا أصبح مكباً لنفايات مصانع الصين ولا عزاء للمستهلك ولا لاقتصاد الوطن. ورغم ما نراه من محاولات في الآونة الأخيرة لمنع دخول السلع الرديئة للسوق السعودية لما ظهر من أضرارها الكارثية خصوصاً الكهربائية منها فإن أثر تلك المحاولات البسيطة لازال محدودا جداً، ولازال أمامنا الكثير للوصول لمستوى مقبول من جودة معظم المنتجات في أسواقنا. تويتر [email protected]