– وصلتنا رسائل إلكترونية يقرّ أصحابها فيها بالتراجع وإعلان التوبة – نحتفظ بأرشيف شامل لإنتاج الجماعات المتطرفة من المواد المقروءة والمرئية – تجربة الحملة مصدر علمي موثوق استفادت منه الأبحاث الأكاديمية المواطن- وهيب الوهيبي – الرياض لامس الشيخ عبد المنعم بن سليمان المشوح مدير عام حملة (السكينة) قضايا ذات حساسية عالية تتناول موضوعات متنوعة في محاورة المشتبه بهم في اعتناقهم الفكر التكفيري والانحراف الفكري من خلال الحوار العلمي على شبكة الإنترنت. وكشف المشوح لصحيفة (المواطن) الإلكترونية خطواتهم العملية في الحوار والأهداف التي يريدون الوصول إليها من خلال توثيق حوارات ومراجعات المتطرفين , مشيراً إلى أنه تم توثيق حوارات ومراجعات المتطرفين لإفادة الباحثين والمختصين . وكشف المشوح عن أرشيف شامل لإنتاج الجماعات المتطرفة من المواد المقروءة والمرئية . وفيما يلي نص الحوار: بيئة وسطية اسمح لي بداية كمدخل للحوار أن أسألك عن الغاية التي تسعون إلى تحقيقها من خلال الحملة؟ رسالتنا تنطلق نحو بيئة فكرية وسطية تبني ولا تهدم، تجمع ولا تُفرّق، كما أن هدف فريق عمل الحملة هو التصدّي للأفكار والمناهج المنحرفة المؤدية إلى العنف والغلو من خلال الكشف عن الشبهات التي يعرضها أصحاب الاتجاهات المنحرفة وفتح الحوار والنقاش معهم في القضايا المُشكلة بأساليب شرعية وأخلاقية راقية إلى جانب رصد الحركات الفكرية وتحليلها ودراستها ومعالجة الأسباب التي تؤدي إلى الغلو والانحراف سواء كانت فكرية أو اجتماعية أو نفسية، ونسعى إضافة إلى ذلك إلى بث المفاهيم والأحكام الشرعية الصحيحة السليمة في مسائل الفتن والنوازل ونشرها بشكل واسع. أفكار التطرف حسناً.. تجاوزت حملة السكينة سنتها العاشرة من محاولات تصحيح الأخطاء ومواجهة أفكار التطرف.. بماذا خرجتم بعد هذا العقد من الزمن؟ نجحت الحملة بفضل الله في محاورة أكثر من 3200 شخص من مختلف الأعمار ومناقشتهم عبر المنتديات والمواقع وبرامج المحادثة المباشر واستطاعت في إقناع 1500 شخص منهم في العودة إلى جادة الحق والصواب. وحرصت الحملة على توثيق جميع الحوارات والمراجعات ضمن مشروع (وثائقي السكينة) ليستفيد منها الباحثون والمختصون إلى جانب نشر (220) مادة علمية لتأصيل الفهم الصحيح لمسائل النوازل التي حدث بها الخلل الفكري والزلل المنهجي، كما نجحت الحملة في تنفيذ برنامج (درء الفتنة) لمواجهة دعوى المظاهرات والاعتصامات، وقد استفاد منه أكثر من مليون زائر عبر الفيس بوك. حوار ونقاش ما الآلية التي تسيرون عليها في معرفة رغبة المتطرفين بالحوار؟ أثناء الحوار يبدي الطرف الآخر تراجعاً من خلال جملة من العبارات التي تنم عن وضوح الحقيقة لديه أو التصريح بالتراجع عن بعض المسائل، ومن هنا تكون انطلاقة الفريق العلمي للحملة في محاورتهم ومناقشتهم، وأحياناً تصلنا رسائل إلكترونية يقرّ أصحابها فيها بالتراجع ويطلبون الحوار في مسائل أخرى فنحاورهم. وأود أن أشير إلى نسب تقريبية وفق المعطيات لدينا وهي أن: (50 %) ممن حاورتهم الحملة يقطنون في منطقة الخليج، (30 % من الدول العربية المجاورة) و(20 %) من أوروبا وأمريكا. و(40 %) من المتراجعين تراجعوا تراجعاً تاماً عن كل أو أغلب الأفكار المنحرفة، و(60 %) تراجعوا عن أخطر الأفكار الإرهابية وأكثرها ضرراً. ونحرص في هذا الصدد أن تكون جميع التراجعات والرسائل مرصودة لدينا ومسجلة للإفادة منها في مراكز الدراسات والأبحاث في الموقع الإلكتروني، وبالفعل أجرى باحثون دراسات- بحوثاً ميدانية- لعدد من التائبين عن طريق الحملة للإفادة من تجربتهم. تعزيز الوسطية ماذا عن تفعيل موقع السكينة على شبكة الإنترنت بهدف توسيع دائرة المستفيدين منه؟ الموقع بحمد الله مرجع لتعزيز الوسطية ومناقشة أفكار الغلو باللغات العربية والإنجليزية والروسية والأردية والتركية وهناك توجه لإطلاق لغات عالمية أخرى، كما تم إطلاق مركز البحوث والدراسات لخدمة الباحثين والدارسين المتخصصين وتقديم خدمات علمية وبحثية وإحصائية ل (10) رسائل علمية في الجامعات السعودية. وكان من ثمرة هذه الجهود فوز موقع السكينة بجائزة أبها (1430ه) في فرع تقنية المعلومات تتويجاً للجهود التي يقوم الموقع كموقع ثقافي حواري، كما تم تقديم حملة السكينة كأنموذج لجهود المملكة في التعامل مع الأفكار المتطرفة في بيان المملكة لحقوق الإنسان في جنيف- 1430ه. مواجهة قوية كيف تقيِّمون تجربتكم، وتجربة المواجهة الفكرية بشكل عام مع الفئة الضالة؟ المواجهة الفكرية خيار إستراتيجي وشرعي، فالمواجهة وإن كانت ميدانية عسكرية لكن كل أدواتها ومحركاتها فكرية؛ لذلك لابد من الخيار الفكري، وهي بلا شك أثّرت- أعني المواجهة الفكرية- في خارطة الجماعات المتطرفة، والمواجهة كانت من قبل الإعلام والمفكرين والعلماء والخطباء وبرامج كالمناصحة والسكينة وكراسي البحث وجهود شعبية كثيرة ومتنوعة.. فقد كانت وما زالت مواجهة فكرية قوية؛ فهذه البلاد ترفض وتلفظ الإرهاب مهما كان وجوده مغرياً للبعض. أداء متوسط هل يعني ذلك أن تقييمك عالٍ للمواجهة الفكرية؟ فيما يخص السكينة أعتقد أننا قدمنا ما نستطيع وما هو داخل ضمن قدراتنا، فصحيح أن آمالنا وطموحنا كانت أكبر بكثير وحاولنا تحقيق ما نطمح إليه وتحقق جزء لكن لم نحقق الكثير، وأعتقد أن أداء السكينة كان متوسطاً نجح في جوانب ولم ينجح في جوانب أخرى، ونحن منذ 2006 م انتقلنا إلى مرحلة جديدة وهي البناء والتصحيح أكثر من التركيز على الحوارات التي استنزفتنا. ردود فعل كيف لمستم ردود الفعل من القيادات العلمية والشرعية لمسيرة حملة السكينة؟ مما نفخر به في الحملة شهادة سماحة المفتي العام- حفظه الله- وذلك في اللقاء الذي جمعنا به وبعض التائبين من الفئة الضالة وبوجود مختصين في مواجهة الإرهاب؛ إذ قال سماحة المفتي: (ومما يجدر أن نذكره بالشكر والتقدير ما بذلته حملة السكينة لتعزيز الوسطية من جهود طيبة ومباركة في إزالة الشبهات، وتوضيح الحقائق للمغرر بهم من شبابنا، ومناقشتهم ومحاورتهم لأجل إقناعهم، وترغيبهم في الرجوع إلى رشدهم وصوابهم فجزاهم الله عنا خير الجزاء). ونفخر باهتمام ورعاية وزير الشؤون الإسلامية الذي نبتت حملة السكينة بين يديه ونمت وترعرعت تحت ناظريه، وقد قال: (حملة السكينة برنامج متميز وكان له كبير الأثر في علاج مشكلة الإرهاب، وتحييد كثيرين عن التعاطف أو الانتماء إلى الإرهاب). تجربة علمية هل فعلاً أن (حملة السكينة) قدمت للباحثين والدارسين الأكاديميين تجربة علمية للحصول على درجات علمية في الدراسات العليا؟ تحتفظ (حملة السكينة) بجميع حواراتها على مدار عشر سنوات منذ انطلاقها، كما تحتفظ بأرشيف شامل لإنتاج الجماعات المتطرفة سواء كان الإنتاج مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً، وساهم موقع السكينة على الشبكة العالمية بتوفير مادة فكرية وعلمية ومكتبة إلكترونية للإنتاج الفكري والعلمي الإيجابي المواجه لتيارات وأفكار الغلو والتطرف. وجميع هذه المكونات قدمت (حملة السكينة) كمصدر علمي موثوق يستحق الدراسة والعناية للإفادة منها في الأبحاث الأكاديمية المحكمة في جامعات المملكة، فقد حصل الباحث (شاكر بن مقبل العصيمي) الدارس بمرحلة الماجستير في تخصص العدالة الجنائية بجامعة الأمير نايف العربية للعلوم الأمنية، وحملت رسالته عنوان (شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودورها في تحقيق الأمن الفكري- دراسة تأصيلية تطبيقية على ظاهرة الغلو-) على تطبيقات وملخصات لحوارات مع من تأثروا بأفكار منحرفة متعلقة بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانحرافهم في مفهوم الاحتساب وأدى الحوار معهم إلى تراجعهم وتوبتهم وإدراكهم للطريقة الصحيحة والسليمة لممارسة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد أكدت النتائج التي خرج بها الباحث على أهمية الاحتساب على الفئة الضالة ومعالجة أفكارهم وكشف شُبهاتهم. كما ضمن الدكتور حامد بن مده الجدعاني تجربة حملة السكينة ضمن بحثه (جهود المؤسسات الشرعية بالمملكة العربية السعودية في تأصيل منهج الاعتدال) وذلك ضمن برنامج علمي يطرحه كرسي الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال السعودي. واستعان الباحث مشبب بن ناصر آل زبران بنتاج حملة السكينة الإيجابي وطرحهم الفكري والعلمي في تأصيل مسائل النوازل ومناقشة الشبهات، وذلك ضمن بحثه (المواقع الإلكترونية ودورها في نشر الغلو الديني وطرق مواجهتها من وجهة نظر المختصين) لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في العلوم الإدارية بجامعة الأمير نايف العربية للعلوم الأمنية. وقام الباحث المقدّم للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية شبيب بن حسن الحقباني بتغطية الجانب الميداني من دراسته على حملة السكينة، وحملت دراسته عنوان: “الاحتساب على الغلو في التفكير في شبكة المعلومات الدولية”. كما أطلقت الباحثة منال بنت عبدالعزيز الصفيان عنواناً لبحثها للحصول على درجة الماجستير (الجهود الوطنية لمعالجة الفكر التكفيري في المملكة العربية السعودية- حملة السكينة نموذجاً-) واشتملت الدراسة على استبيان يصف الجهود المباركة التي يقوم بها حملة السكينة ويوضح كيفية عمل أعضاء الحملة والصعوبات التي واجهتهم، وقدمت بحثها في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قسم علم الاجتماع. ويعد الباحث عبدالله بن محمد الفارس من جامعة الأمير نايف العربية للعلوم الأمنية رسالة تحمل عنوان: “حملة السكينة وآثارها في الوقاية من الإرهاب” وهي تقوم بدراسة وتحليل عمل حملة السكينة عن كثب بطريقة علمية ووفق وسائل تحليل أكاديمية. وقد تنوعت إفادة الباحثين من نتاج حملة السكينة بين استبانات تم توزيعها على بعض التائبين والعائدين ومقابلتهم للحصول على تفاصيل تفيد في عملية تحليل أسباب الانحراف الفكري وأهم الوسائل لمواجهته، وقسم من الدراسات اعتمد على دراسة أداء العاملين في حملة السكينة وقراءة أهم المؤثرات عليهم وكيفية المساهمة في تطوير عملهم. وتبرز أهمية مثل هذه الدراسات في سبيل معرفة وإدراك خريطة المتطرفين الفكرية والنفسية والاجتماعية، ومعرفة مفاتيح العلاج النافعة والمؤثرة.