لم يكن أحدٌ يتوقع أن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي حصل على لقب صاحب أطول فترة رئاسة سيتقدم باستقالته قبل نهاية عهدته الرابعة بأيام. ففي الثاني من أبريل 2019 وقبل 25 يومًا من انتهاء ولايته رضخ بوتفليقة للضغوط الشعبية التي طالبته بالرحيل عن السلطة رغم دوره التاريخي في إنهاء حقبة الحرب الأهلية في الجزائر أو ما عرف بالعشرية السوداء التي عانت فيها الجزائر ويلات الإرهاب الأسود. انتخابات لم تكتمل كان إعلان بوتفليقة اعتزامه الترشح لولاية خامسة هي القشة التي قصمت ظهر البعير ودفعت ملايين المواطنين الجزائريين إلى النزول إلى الشوارع اعتراضاً على ولايته الخامسة لكن سقف المطالب ارتفع مع الحالة الضبابية التي عاشتها البلاد بعد الحديث عن الحالة الصحية للرئيس الذي لم يظهر للعلن إلا مرات معدودات منذ 2013. وبالرغم من أن الانتخابات التي كانت مقررة في الثامن عشر من الشهر الجاري تم تأجيلها بقرار من بوتفليقة نفسه وبالرغم من إعلانه عدم خوض الانتخابات إلا أن كل ذلك لم ينجح في إعادة الجماهير الغاضبة إلى حيث كانت قبل الإعلان عن الترشح. بوتفليقة المناضل الثوري كان بوتفليقة من المناضلين في حرب 1954-1962 التي وضعت نهاية للحكم الاستعماري الفرنسي، ثم أصبح أول وزير للخارجية عقب الاستقلال وأحد الوجوه الرئيسية التي وقفت وراء حركة عدم الانحياز ومنحت أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية صوتاً على الساحة العالمية. يمتلك بوتفليقة تاريخاً من النضال الثوري واستقبل تشي جيفارا أحد رموز الثورة في أمريكا الجنوبية والعالم الثالث بوجه عام، وفي عام 1974 دعا بوتفليقة بصفته رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات لإلقاء خطاب أمام المنظمة الدولية في خطوة تاريخية صوب الاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية. الرئيس المنتخب وانتخب بوتفليقة رئيساً للمرة الأولى عام 1999 وتفاوض على هدنة لإنهاء القتال وانتزع السلطة من المؤسسة الحاكمة التي كانت تكتنفها السرية وترتكز على الجيش. وبفضل إيرادات النفط والغاز تحسنت الأوضاع في الجزائر وعمها قدر أكبر من السلام وأصبحت أكثر ثراء، لكن الفساد والركود السياسي والاقتصادي كان هو القاسم المشترك بين الأنظمة التي تعاقبت على حكم الجزائر ما دفع الشعب إلى الخروج والمطالبة برحيل النظام بعدما نفد صبره.