لن تكون مشاركة المملكة في القمة العربية المقبلة في تونس إلا انعكاسًا واضحًا ومباشرًا على الثقل السعودي الدولي والإقليمي والأهمية التي ستضيفها هذه المشاركة في القمة، فالمملكة كانت وستظل بوصلة لتحديد مسار القرار العربي المشترك. وتتعلق الآمال حول القمة ال30 بعد أن سلمت المملكة بثقلها السياسي والإقليمي الراية لتونس الخضراء المعروفة بالاعتدال لمتابعة قضايا مصيرية تؤرق مضجع العرب والمسلمين. وستظل القضايا التي أكد عليها بيان قمة الظهران ال29 والتي عقدت في المملكة إبريل الماضي، محاور أساسية ولبنة تقوم عليها أعمال القمة المقبلة في تونس لاستكمالها والصعود بها إلى مستوى آخر. وقد دعا البيان الختامي إلى ضرورة تحمل المجتمع الدولي كافة مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية وصيانة الأمن القومي العربي، والوقوف أمام الأطماع التي تستهدف أمن أراضي العرب بالمرصاد ووقف التدخلات الإيرانية في المنطقة ومواجهة الإرهاب فضلًا عن إيجاد حل كامل وشامل لكل من الأزمات في اليمن وليبيا وسوريا والعراق. وللمملكة دور بارز في مختلف القضايا والملفات المطروحة على طاولة القمة والتي تؤرق المنطقة ككل فعودة سوريا إلى الجامعة العربية والقضية الفلسطينية وملف الإرهاب ومواجهة التوسع الإيراني ومواجهة الحوثيين في اليمن وغيرها من القضايا المحورية كانت وستظل على رأس أولويات القمة المقبلة. القدس في قلب سلمان "إن القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى وستظل حتى حصول الشعب الفلسطيني على جميع حقوقه المشروعة وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، وإننا إذ نجدد التعبير عن استنكارنا ورفضنا لقرار الإدارة الأمريكية المتعلق بالقدس، فإننا ننوه ونشيد بالإجماع الدولي الرافض له، ونؤكد على أن القدسالشرقية جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية". هكذا جاءت الكلمة الافتتاحية لخادم الحرمين الشريفين في مؤتمر الظهران إبريل الماضي حيث شدد على الأهمية القصوى للقضية الفلسطينية كأولوية لكل العرب مستنكرًا ورافضًا قرار الإدارة الأمريكية المتعلق بالقدس وتبع هذه الكلمة إجماع عربي رافض ومؤكدًا على أن القدس جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين. وعملت المملكة منذ القمة والتي كانت تحت عنوان " قمة القدس" على دفع القضايا العربية الملحة إلى صدارة الاهتمام العربي لاسيما القضية الفلسطينية أضحت مهددة نتيجة لتراجع الاهتمام بها بعد سلسلة من الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية. ومن المنتظر حسب مراقبين للشأن العربي أن تخرج القمة بتوصيات تدفع بالفرقاء الفلسطينيين إلى تجاوز الخلافات الداخلية ورأب الصدع والتأكيد على أن الحل الأمثل هو حل الدولتين والوقوف أمام التعنت الصهيوني بغية توحيد الصف لمواجهة المحتل وحقن الدماء. اليمن وحزم المملكة انتقالًا إلى الوضع في اليمن كان خادم الحرمين الشريفين قد أكد التزام العرب بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله حيث قال في قمة الظهران "إننا نؤكد التزامنا بوحدة اليمن وسيادٍته واستقلاله وأمنه وسلامة أراضيه، كما نؤيد كل الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي للأزمة في اليمن، وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وقرارات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل تنفيذا لقرار مجلس الأمن ( 2216 )، وندعو المجتمع الدولي للعمل على تهيئة كافة السبل لوصول المساعدات الإنسانية لمختلف المناطق اليمنية، ونحمل الميليشيات الحوثية الإرهابية التابعة لإيران كامل المسؤولية حيال نشوء واستمرار الأزمة اليمنية والمعاناة الإنسانية التي عصفت باليمن. ولم تتوانَ المملكة في التدخل عسكريًا للدفاع عن اليمن، حيث رأت أن الوجود الحوثي يهدد أمن المنطقة بأكملها فكان لابد من التحرك لوقف هذا التمدد وقطع الطريق على مشروع إيران التوسعي فكانت عاصفة الحزم. هكذا سعت المملكة لإغلاق الثغرات وقطع الطريق على كل ما من شأنه أن يهدد الأمن القومي العربي . ويضع الاهتمام السعودي بالقضية اليمنية الأوضاع في اليمن على رأس أعمال القمة العربية المقبلة حيث سيتم التأكيد على التمسك بالشرعية في البلاد وفضح إرهاب الحوثي المدعوم من إيران، والتأكيد على اتفاق ستوكهولم الذي سمح بفتح ميناء الحديدة وإدخال المساعدات الإنسانية، والوقوف في وجه القوى الإقليمية التي تشعل الصراع وتعبث بمقدرات اليمن. وحدة الصف الليبي كانت المملكة قد وضعت الأطر العريضة حول طبيعة التعامل مع الأزمة في ليبيا حيث أكد خادم الحرمين الشريفين على التمسك باتفاق الصخيرات والحفاظ على وحدة البلاد وحمايتها من التدخل الأجنبي واجتثاث منابع الإرهاب ومحاولة إيجاد حل سياسي يجمع الفرقاء الليبيين. وستستكمل القمة العربية في تونس الأطر التي تم وضعها في قمة الظهران حيث من المتوقع عقد ملتقى وطني في تونس يجمع الفرقاء الليبيين وتعلق جامعة الدول آمالًا عريضة حول إمكانية إيجاد حلول تساعد ليبيا على الوقوف مجددًا وتجاوز 8 سنوات من المعاناة حيث تلوح بارقة أمل في الأفق توحي بانفراجة مقبلة بعد عقد القمة العربية. لإيران بالمرصاد "إن من أخطر ما يواجهه عالمنا اليوم هو تحدي الإرهاب الذي تحالف مع التطرف والطائفية لينتج صراعات داخلية اكتوت بنارها العديد من الدول العربية، ونجدد في هذا الخصوص الإدانة الشديدة للأعمال الإرهابية التي تقوم بها إيران في المنطقة العربية، ونرفض تدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية للدول العربية". كانت كلمات خادم الحرمين الشريفين حول إيران ومواجهة إرهابها واضحة وصريحة حيث رسمت طريقًا عربيًا موحدًا اجتمع على ضرورة الوقوف صفًا واحدًا أمام التوسع الإيراني وتعزيز الأمن القومي العربي المشترك. فكانت كلماته إلهامًا ليقظة عربية تقف بالمرصاد أمام أطماع وعدم السماح لها بالتلويح باستخدام القوة وكبح جماح أعمالها الاستفزازية التي تقوض الثقة وتهدد أمن واستقرار المنطقة.