أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي المسلمين بتقوى الله تعالى، مبيناً أن التفكَّر في مُدَّة الدنيا القصيرة، وزينتها الحقيرة، وتقلُّب أحوالها الكثيرة؛ يدرك قدرَها، ويعلم سرَّها. فمن وثِقَ بها فهو مغرور، ومن ركَنَ إليها فهو مثبُور. وأوضح فضيلته أن قِصَرُ مُدَّة الدنيا بقِصَر عُمر الإنسان فيها، وعُمرُ الفرد يبدأُ بساعات، ثم ينقضِي عُمر الإنسان على التمام، ولا يدرِي ماذا يجري بعد موتِه من الأمورِ العِظام. وقال إن عُمرُ المخلوق لحظةٌ في عُمر الأجيال، بل الدنيا متاع، قال الله تعالى: (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) وقال تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا)، موضحاً أن ما بين الموت إلى البعث مدة قصيرة وبأن هذه المُدَّة الطويلة كساعة، قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ)، وقال جل وعلا: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ)، وقال سبحانه: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ)، ففي الحديث: (اذكُروا هاذِمَ اللذَّات؛ فإنه ما ذُكِر في كثيرٍ إلا قلَّله، ولا في قليلٍ إلا كثَّرَه)، «كفَى بالموت واعِظًا». وبين فضيلة الشيخ الحذيفي أن فعل الأعمال الصالحات، وهجَرَ المُحرَّمات، جزاؤه الفوز برِضوان الله في نعيم الجنات. ومن اتَّبعَ الشهوات، وأضاعَ الصلوات والواجِبات، فجزاؤه الهلاك في الدَّرَكات. وأضاف أنّ في إقبالِ عامٍ وإدبارِ عامٍ عِبَرًا فيومٌ تُخلِّفُه، ويوم تستقبِلُه، حتى ينقضِيَ الأجل، وينقطِعَ الأمل، قال الله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى). وأردف قائلاً بوجوب العمل للآخرة ودخول الجنة التي لا يفنَى نعيمُها ولا ينقُص ولا يَبيد، قال الله فيها: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) البعد عما يدخل النار التي لا يُفتَّرُ عن أهلها العذاب، بامتِثال أمر الله الأكيد، واتِّقاءِ غضبِه الشديد، (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ). وبين فضيلته أن الله قد فتَحَ أبوابَ الرحمة بما شرعَ من فعلِ الخيرات وتركِ المُنكَرات، فلا يُغلِق أحدٌ على نفسِه بابَ الرحمة بمُحاربَة الله بالذنوب، قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ). وحث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين على اغتنام زمن العافية؛ فإن يومًا يمضِي لن يعودَ أبدًا. فاستودِع أيامَك بما تقِرُ عليه من الحسنات واحفَظ صحيفتَك من السيئات، عن ابن عباس – رضي الله عنهما -، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ)، وعن ابن عُمر رضي الله عنهما -، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (كُن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابِرُ سبيل) وكان ابن عُمر رضي الله عنهما يقول “إذا أصبحتَ فلا تنتظِر المساء، وإذا أمسَيتَ فلا تنتظِر الصباح، وخُذ من صحَّتك لمرضِك، ومن حياتِك لموتِك”