بعد 13 عامًا من العطاء السياسي، أبدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل استعدادها التخلي عن حزبها لمنع تحالفها في الحكومة من التفكك. وتسعى ميركل لإعادة لم شتات تحالفها الحكومي عقب هزيمة ساحقة زعزعت أركان الحزب في الانتخابات المحلية الماضية، فهي تحاول رص صفوف معسكرها المحافظ مرة أخرى. وكانت ميركل قد أعلنت التخلي، اليوم، عن منصبها كرئيسة للحزب المسيحي الديمقراطي، إلا أنها ستستمر في أداء مهمتها كمستشارة للبلاد. فمن هي أنجيلا ميركل؟ المرأة الحديدية أنجيلا ميركل والتي لقبت “بالمرأة الحديدية” والتي أعلنت نيتها اليوم التخلي عن منصب المستشارة في 2021 تستند بقوة على ميراث 13 عامًا من الإنجازات المشرفة. كانت ميركل ثاني امرأة في العالم شغلت منصب رئيس المجلس الأوروبي ومجموعة الثماني في 2007 ، حيث يشار إليها بصاحبة القرار فيما يتعلق بالسياسة الداخلية والإصلاح والرعاية الصحية وكل المشاكل التي ارتبطت بتطوير الطاقة في ألمانيا. في مفاوضات لشبونة وإعلان برلين لعبت ميركل دورًا محوريًا وكان تعزيز العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي على رأس أولوياتها. شهدت ميركل انهيار النظام المالي العالمي وسارعت لمد يد العون لجيرانها، فتمكنت من إدارة الأزمة المالية على المستوى الأوروبي والدولي، وتم وصفها بحاكم الأمر الواقع لزعامة الاتحاد الأوروبي. حصلت على لقب مجلة فوربس لأقوى شخصية في العالم مرتين، وهو أعلى تصنيف حققته امرأة. سميت في 2015 شخصية العام ونشرت مجلة التايم صورة لها على غلافها واصفة إياها “بمستشارة العالم الحر”. وبرقم قياسي وللمرة العاشرة سميت كأقوى امرأة في العالم في 2016 . أم المهاجرين سعت ميركل ابنة القس البالغة من العمر 64 عامًا إلى نهضة ألمانيا بكل قوتها، وقدمت نفسها كركيزة للاستقرار والمحبة في عالم مضطرب ولا إنساني. خطت ميركل خطواتها مغردة خارج السرب نحو إثبات عكس الشائع عن لا إنسانية السياسي، فوقفت بشجاعة في مواجهة أكبر أزمة هجرة إنسانية شهدتها أوروبا وطرحت لها الحلول. فهي السياسية الإنسانة التي فتحت ذراعيها لأكثر من مليون مهاجر في 2015 لتفتح أبواب جهنم عليها وعلى سياساتها تجاه المهاجرين، لكنها ظلت على إيمان بقيم الإنسانية التي جعلتها تقف على أرض صلبة قوامها المبادئ والأخلاق على الرغم من الإخفاقات. دفعت سياسة ميركل الإنسانية تجاه اللاجئين معارضيها إلى وصفها بالخائنة إلا أنها لم تهتز وواجهت التحديات بقلب كبير، حيث فتحت سياسة ميركل الباب أمام حزب البديل اليميني المتطرف ليستغل الاستياء الشعبي منها ويكسب مزيدًا من الأوراق على الساحة السياسية بيد أن محاولاته باءت بالفشل بعد تمكنها من الحصول على ولاية رابعة في البلاد. ولم يتوان الألمان في إطلاق لقب “الأم” على ميركل لما وجدوا فيها من عاطفة وإنسانية ظهرت في موقفها تجاه اللاجئين وسياسة الباب المفتوح . عالمة الفيزياء في عهد ميركل استطاعت ألمانيا أن تصبح رائدة من رواد العالم في مجالات البحث العلمي والطاقة المتجددة والمناخ وزاد تأثيرها في قطاع الاقتصاد بشكل كبير. لم تنس ميركل يومًا أصلها كفيزيائية، وقامت بزيادة حجم الميزانية السنوية المخصصة للبحث العلمي، وعززت التعاون بين مؤسسات البحث العلمي في بلادها حتى أضحت ألمانيا على يد ميركل قبلة الباحثين الأجانب دون منازع. ويرتبط ازدهار ألمانيا في السنوات الأخيرة باسم ميركل فهي أيقونة النجاح والتطور والإنسانية التي لايمكن تجاهل دورها الإقليمي والسياسي والإنساني العالمي.