أين ترى نفسك بعد خمس سنوات؟ سؤال يتردد على مسامع الكثيرين أثناء عمل المقابلات الشخصية، ويقف الفرد أمام مثل هذه الأسئلة متسمرًّا مشدوهًا ومرتبكًا، وقد لا يتمكن من الإجابة عنه على الإطلاق بسبب بعض المشاكل الحياتية التي يعاني منها وتكاد لا تذكر. فماذا لو طرح السؤال ذاته على فرد يعيش في منطقة تعاني حروبًا وتعج بالفوضى والعنف السياسي؟ أضحت الحاجة لقياس مستوى السعادة وفي المقابل التشاؤم والتعاسة، تشبه ضرورة معرفة قياس ضغط الدم ونسبة السكر كحالة وقائية وعلاجية، فقياس درجة رضا الشعوب وسعادتها أصبح هاجسًا قويًّا لدى استطلاعات الرأي العالمية، لاسيما أنه أحد المؤشرات على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد. الأفغان الأكثر تشاؤمًا: أظهر استطلاع أخير أجراه معهد "غلوب" الأميركي ونشرت نتائجه أمس حول أكثر الشعوب تشاؤمًا على وجه الأرض، أن الأفغان هم أكثر الشعوب تشاؤمًا على الإطلاق. وجاء الشعب الأفغاني في المرتبة الأولى بين سائر شعوب الأرض تشاؤمًا، ليلقي هذا الاستطلاع الضوء على محنة دولة تعج بالعنف والفساد والإرهاب. وخلال الاستطلاع وسُئل مجموعة من الأفغان كيف يتوقعون حياتهم بعد 5 سنوات، وطُلب منهم أن يضعوا علامة تتراوح بين 1- 10 يقيموا من خلالها نظرتهم للمستقبل ومدى تفاؤلهم بشأنه. وجاءت الإجابة صادمة عندما أعطى الأفغان 2.3 على 10 وهي أدنى علامة على الإطلاق سجلها المعهد الأميركي على الإطلاق. وأخذ تقييم الأفغان لمستوى حياتهم اليومي علامة 2.7 على 10، وهو أدنى نتيجة أيضًا يسجلها المعهد في تاريخ استطلاعاته. يذكر أن أكثر من 8 آلاف أفغاني قد سقطوا بين قتيل وجريح خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، في مؤشر لتفوقه على سوريا مع نهاية العام في عدد ضحايا الحرب. وفي استطلاع آخر شمل هذا العام شمل 17026 شخصًا في أوروبا، من بينهم 500 ألماني، جاءت ألمانيا على قائمة الدول الأوروبية الأكثر تفاؤلًا في نظرتها للمستقبل، مسجلة ارتفاعًا كبيرًا في الثقة بسوق العمل والوضع الوظيفي. المملكة الأولى عربيًّا: في استطلاع العام الماضي جاءت المملكة في المرتبة الأولى عربيًّا في مؤشر "التفاؤل"؛ حيث بلغت نسبة الأشخاص الذين يعتقدون بأن العالم سيصبح أفضل في المملكة 16% بعد الصين وإندونيسيا وتلتها الإمارات بنسبة 11%. وفي مؤشر السعادة الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة لعام 2018، جاءت المملكة في المركز الثالث عربيًّا وال33 عالميًّا من بين 156 دولة. واحتلت كل من اليمن وسوريا مراكز ضِمن الدول العشر الأخيرة في مؤشر السعادة؛ بسبب الحروب والمعارك والعنف السياسي. أسباب التفاؤل والسعادة: وحسب معهد "غلوب" الأميركي فإن وجود مغزى لحياة الإنسان وحوافز داعمة له، كذلك نوعية العلاقات الاجتماعية في المجتمع الذي يعيش فيه والأمان المالي والسلامة الجسدية كلها مؤشرات تسبب السعادة وتبعث شعور التفاؤل في النفوس. وليست السعادة في تحقيق كل الضرورات المادية الأساسية فزيادة الممتلكات لا تعني بالضرورة زيادة الرضا؛ لأننا نرفع سقف طموحنا وتطلعنا بشكل إضافي عندما نوفر الضرورات. ولأسباب علاجية ووقائية لا لبس فيها من حق المواطن أن يتعرف على مؤشر مستوى السعادة والتفاؤل في مجتمعه، فالسعادة لم تكن قط مسألة فردية بحتة منفصلة عن محيطها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. إن من ينشد سعادة من صنع الخيال كما المريض الذي لا يعترف بمرضه ولا يحترم تشخيص الأطباء، ولا يعبأ بالنصائح، ويرمي علبة الدواء التي ستساعده على الشفاء.