أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، فضيلة الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه. وقال في خطبة الجمعة اليوم في المسجد الحرام: إن الإنسان يمر في حياته بمراحل مختلفة، فمن ضعف في المهد، لا يملك لنفسه حولًا ولا قوة، إلى أن يشتد عوده ويبلغ أشده، ثم ما هي إلا سنون وأعوام قليلة، حتى يصير إلى الضعف مرة أخرى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)، مبينًا أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالرحمة بالضعفاء، صغارًا وكبارًا، أطفالًا وشيوخًا، ويحث على ذلك بقوله وفعله، ففي سنن الترمذي بسند صحيح، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ). وأضاف فضيلته أن من مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم بالضعفاء: رحمته بالصغار، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، قَالَ: «كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعًا لَهُ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ فَيَدْخُلُ الْبَيْتَ، فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ». وأشار الشيخ المعيقلي إلى أن من حق كبار السن علينا، إكرامَهم وتوقيرَهم، وتزيينَ صدورِ المجالس بهم، ومناداتِهم بأحب الأسماء إليهم، والبشاشةَ في وجوههم، والعفوَ والصفحَ عن زلاتِهم وهفواتِهم، وذكرَ محاسنهم وأعمالهم، فهم أشدُّ ما يكونون رغبة في الحديث عن ماضيهم وإنجازاتهم، حيث جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، يَحْمِلُهُ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: (لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ، لَأَتَيْنَاهُ)، ثم دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام فأسلم. وأبان فضيلته أن كبر السن مظنة السآمة والتعب، والوهن وضعف الجسد، وما يكون نتيجة لذلك، من قلة الصبر وحدة اللسان، ومع ذلك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يُداريهم، ويعطف عليهم، ويُعطيهم ويُسلِّيهم، كلُّ هذا لأجل شيبتهم في الإسلام، وسنِّهم وضعفهم، كما جاء في الحديث المتفق على صحته، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ، وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: (خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، خَبَأْتُ هَذَا لَكَ)، مبينًا أن رعاية كبار السن، والقيام على مصالحهم وشؤونهم، من أعظم القرب، وأجَلِّ الوسائل لتفريج الكرب، وتيسير كل أمر عسير، وخاصة إذا كان كبير السن أبا أو أما، كما في الصحيحين من قصة النفر الثلاثة، الذين آوَاهم المبيت إلى غارٍ، فدخلوا فيه فانحدرت عليهم صخرة، فسدت عليهم الغار، فتوسل كل واحد منهم بصالح أعماله، فكانت وسيلة أحدهم، قيامه بهذا الحق العظيم، حق رعاية أبويه الشيخين الكبيرين، فكان سببا في نيل مطلبه وتفريج كربته. وأفاد فضيلة الشيخ الدكتور المعيقلي أن الفسحة في العمر، نعمة عظيمة، يَمُنُّ الله بها على من شاء من عباده، مشيرًا إلى استثمار هذه النعمة فيما يرضي الله، ويعلي منزلتكم، واستدراك ما فات، بالاستعداد لما هو آت، فليس فيما بقي من العمر، أطول مما فات، وجعل مسك ختام العمر طاعة، من ذكر وصلاة وصيام، وصدقة واستغفار، فإنما الأعمال بالخواتيم، ومن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، وقد يدرك العبد بطول العمر مع حسن العمل، أعظم من درجة المجاهد في سبيل الله. وفي المدينةالمنورة، دعا فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي إلى حفظ النفس من الشهوات والمنكرات، وصونها من كل ما حرّم الله من المعاصي والفواحش من الأقوال والأفعال التي تورد المهالك في الدنيا والعذاب في الآخرة، محذرًا من اتباع هوى النفس، والانقياد لوسوسة الشيطان ونزغاته. وقال فضيلته: إن فلاح الإنسان وسعادته في التحكم في نفسه، ومحاسبتها ومراقبتها في كل صغيرة وكبيرة، في الأقوال والأفعال، فمن حاسب نفسه وتحكم في أقواله وأفعاله فيما يحب الله ويرضى، فقد فاز فوزًا عظيمًا، فقد قال الله تعالى: {أَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}، وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} وقال سبحانه: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} قال المفسرون: أقسم الله بالنفس التي تلوم على التقصير في الواجبات وتلوم على اقتراف بعض المحرمات، فتلوم كثيرًا حتى يستقيم أمرها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم، وهذا لا يكون إلا بمحاسبة النفس. وعن شداد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله) حديث حسن. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن، توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر) وبيّن فضيلته أن على المؤمن أن يحاسب نفسه ويراقبها ويقيمها على أحسن الأقوال، فيحاسب نفسه على الأفعال فيجاهدها بالعبادات والطاعات، ليأتي بها كاملة الإخلاص نقية سليمة من شوائب الابتداع والرياء والعجب بالعمل، مبتغيًا بعمله وجه الله والدار الآخرة، ويحاسب نفسه ليوقع العمل الصالح، ويفعله موافقًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم مع الالتزام بدوام العمل واستمراره بلا ردة ولا انقطاع، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} وقال تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} وقال عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ} وقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. وعن سفيان الثوري رضي الله عنه قال: (ما عالجت شيئًا أشدّ عليّ من نيتي لأنها تتقلب عليّ) وقال الفضل بن زياد: (سألت الإمام أحمد عن النية في العمل، قلت: كيف النيّة؟ قال: يعالج نفسه إذا أراد عملًا لا يريد به الناس). وعن شدّاد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عله وسلم قال: (من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدّق يرائي فقد أشرك) رواه أحمد في المسند والحاكم وزاد، وعلى المؤمن أن يحاسب نفسه في نطقه وكلامه فلا يطرق لسانه بالكلام في الباطل والمحرم في الألفاظ، وليتذكر أنه قد وكل به ملكان يكتبان كل ما نطق به لسان، وكل ما عمل من عمل، فيثاب على ذلك أو يعاقب، قال الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ} وقال جل وعلا: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. وقال الشيخ علي الحذيفي: إن المسلم يجب عليه أن يحاسب نفسه ويجاهدها في الخطرات والواردات على القلب والوساوس حيث إن مبدأ الخير والشر من خطرات القلوب ووارداتها، فإن تحكم المسلم في الواردات على قلبه ففرح بواردات الخير واطمأن لها ونفذها أفلح وفاز، وإن طرد وساوس الشيطان ووارداته واستعاذ بالله من وساوسه نجا وسلم من المنكرات والمعاصي، وإن غفل عن وساوسه وتقبلها أورده المحرمات، إذ قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. وذكر أمر الله بالاستعاذة في سورة الناس من هذا العدو المبين فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس). وبين فضيلته أن الحفظ من الذنوب برصد وساوس الشيطان والاحتراس من نزغاته، فقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فمن حاسب نفسه وجاهدها كثرت حسناته وقلّت سيئاته وخرج من الدنيا حميدًا، وبعث سعيدًا، وكان مع النبي عليه الصلاة والسلام الذي أرسل شهيدًا، ومن اتبع هواه وأعرض عن القرآن وارتكب ما تشتهيه نفسه، واستلذّ الشهوات، وقارف الكبائر، وأعطى الشيطان قياده، أورده كل إثم عظيم، وخلّد معه في العذاب الأليم. وقال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي: إن القلب الحيّ هو الذي تسرّه حسنته، وتسوؤه سيئته، والقلب الميت هو الذي لا يتألم بالمعصية، ولا يحسّ بها، ولا يفرح بحسنة ولا طاعة، ولا يشعر بالعقوبات على الذنوب، فتغرّه الصحة وإقبال الدنيا عليه، وقد يظن النعم كرامة له، قال الله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} وفي الحديث: (تعرض الفتن على القلوب كما يعرض الحصير عودًا عودًا فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة سوداء حتى تصير القلوب على قلبين، قلب أبيض كالصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، وقلب أسود مرباد كالكوز مجخيًا- أي منكوسًا- لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه).