لم يجد المتابعون والمحلّلون لجولة "صغير قطر" تميم بن حمد آل ثاني الخارجية، نهاية الأسبوع الماضي، مُفاجأة، إلا أنَّهم استغربوا التسرع والارتباك وسوء التنظيم فيها، لاسيّما أنَّ زيارة تركيا، وألمانيا، وفرنسا، قبل تحول تميم إلى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، لم تكن سوى فرصة للتغطية على محاولة الدوحة، كسر عزلتها بشكل مرتبك ومتسرع، لتحقيق مكاسب إعلامية مصطنعة، في إطار التخبّط الذي يتملّك دبلوماسية الدوحة. ورسم تنظيم الحمدين، لأمير قطر تميم، طريقاً يباعد بينه وبين الخروج من أزمته مع الدول الخليجية والعربية منذ انطلاقتها، فالطريق الوعرة التي يسلكها تميم هذه الأيام في جولته الأوروبية للترويج لخطاب المظلومية، انطلقت من المكان الخطأ، حيث حليفته تركيا، التي تعاني هي الأخرى من عزلة دولية، بدأت ملامحها تلوح في الأفق الأوروبي.
تسويق خطاب منتهي الصلاحية: لم تتعظ الدبلوماسية القطرية، من نتائج جولات وزير خارجية تميم الأوروبية، منذ الخامس من حزيران/يونيو الماضي، تاريخ إعلان الرباعي الداعي لمكافحة الإرهاب، مقاطعته قطر، حتى تتوقف عن دعم وتمويل الإرهاب والتحريض عليه، فالأجواء في القارة العجوز، لم تعد ملائمة لقبول خطاب المظلومية الذي تحاول الدوحة الترويج له منذ ذلك الحين، بل وأكثر، فثمة رأي عام أوروبي تشكل في دول عدة، عقب انطلاق الحملة العالمية لوقف التمويل القطري للإرهاب، وغيرها من الفعاليات والجلسات الحقوقية التي وضعت الرأي العام الأوروبي أمام الحقائق الصادمة، أبرزها دعم الدوحة للتنظيمات الإرهابية الذي لا يزال مستمرًا حتى اليوم. وجاءت جولة تميم، بعد تأجيل امتد شهورًا لزيارة برلينوباريس، بالتزامن مع إطلاق أول مؤتمر للمعارضة القطرية في لندن، التي نجحت في إيصال صوتها إلى العالم الخارجي، بشكل فاعل ومؤثر، في دلالة على تحول نوعي كبير منتظر في الدوحة، والمنطقة، والعالم، بعد أن دق التغيير على باب الدوحة، إلا أنّها لم تُشكل سوى فقرة بسيطة في جدول أعمال الرئيس إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء أنجلا ميركل، إذ رفض ماكرون مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع تميم، وفضل بعد المقابلة الخاطفة مع الزائر القطري، الاحتفال مع الرئيسين السابقين نيكولا ساركوزي، وفرانسوا هولاند، بفوز باريس بتنظيم الألعاب الأولمبية الصيفية 2024.
صدمة القاهرة تزيد الدوحة تخبّطًا: الملاحظ للارتباك وسوء التنظيم الكبير اللذين رافقا هذه الجولة، يرى أنَّ تسرعها عائد إلى الصفعة المدوية التي تقبلتها الدوحة في القاهرة، على هامش اجتماعات وزراء الخارجية العرب، واللهجة الصارمة التي تحدثت بها دول المقاطعة، إلى المندوب القطري، الذي تحدّث بلسان أعجمي مبين، ما أوحى لصاحب القرار في الدوحة، بفكرة التحرك الدولي لتفادي الأسوأ، إلا أنّه لم يتحرك بحسابات مدروسة، فكانت النتيجة حقًا أسوأ. وفيما تتعاظم مشاعر الخوف والعزلة لدى النظام القطري، نعود إلى خطاب تميم الأخير، بتاريخ 21 تموز/يوليو الماضي، الذي حاول من خلاله التقليل من الأزمة التي تمر بها قطر نتيجة المقاطعة من الدول الداعية إلى مكافحة الإرهاب، والإيحاء أن الحياة في قطر طبيعية، بينما كان في الوقت ذاته يستنجد بالمعشوقة إيران، والعسكر التركي، ما جعل التناقضات تتدفق في السياسة القطرية.
زيارات استجداء العطف: كان البارز في كل هذه الزيارات، استجداء موقف فقط تحاول قطر المتاجرة به، بينما تزداد قناعة الدول الأربع أنَّ الدوحة لن تغير من سلوكها ومراوغاتها، لاسيّما بعد التخريب المتعمّد للحل الذي تبلور في المكالمة الهاتفية بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتميم، في المحاولة التي دمرها الأخير، ومن ورائه وكالة الأنباء القطرية، في الثامن من أيلول/سبتمبر الجاري، إذ بدت الدوحة أكثر عزلة، ذلك أنَّ لعبة نظام الحمدين المستمر في الكذب والمراوغة، انكشفت للعالم. وقرر تميم، أن يقوم بجولة بلا معنى وبلا أجندة سياسية، حتى يوحي أنَّ بلاده ليست في حالة عزلة، وأنها تعيش في علاقات جيدة مع العالم الخارجي، بل إن زيارته إلى تركيا وألمانيا وفرنسا لم يتم التطرق إلى أي نوع من العلاقات الثنائية، وتوقيع الاتفاقات كما تجري العادة في البروتوكولات الدولية، فقط كانت تركز على الحال السيئ الذي وصل إليه تنظيم الحمدين.