يعيش «لي كوان» رئيس وزراء سنغافورة السابق، لأكثر من ثلاثين سنة، في قلب كل سنغافوري، وعند أقوام أخرى، أصبح مثلاً. تسلَّم الرجل بلدًا مدمَّرًا.. جزيرة فقيرة مثقلة بالمشاكل، تسكنها غالبية أمية، ينقلها في غضون سنوات إلى دولة صناعيَّة متقدمة. وفي أول خطاب له مع أمّته عند تسلّمه السلطة، قال: ليس لديَّ ما أعدكم به لكي ننهض ببلادنا، غير التعليم.. إذا تعلَّمنا حققنا طموحاتنا، وأخذنا مكانًا بين الأمم. لم يخترع العجلة، لكنَّه اختار الطريق الصحيح ليبني وطنًا. ومن خلال إستراتيجيَّة ومبادرات خلاَّقة استطاع أن يحقق الحلم. ولكن أيّ تعليم؟ بالتأكيد ليس التعليم التقليدي الذي يعتمد على حشو عقول الطلاب بما في الكتب المقررة.. ليس التعليم الذي يعتمد على المعلِّم، كيفما اتَّفق. لقد أدرك منذ البداية الحاجة إلى نظام تعليمي متطوِّر.. نظر إلى الجامعات باعتبارها مراكز بحث وإبداع، وليس مكانًا لتخريج حملة شهادات، لا يجدون عملاً. استفاد من تجارب الغرب.. بنى إستراتيجيته على أساس حاجة بلاده، وما يحتاج إليه السوق.. لم يكن التعليم عنده ترفيهيًّا، فوجَّه اهتماماته للتعليم المهني والتكنولوجي، فكانت سنغافورة التي أعطاها مؤشر «دافوس» العالمي حول جودة التعليم للعام 2015- 2016م المرتبة الأولى، من بين مئة وأربعين دولة. ومثل «لي كوان» فعل جاره «مهاتير محمد» في ماليزيا، التي نشأت قريبًا في أوائل ستينيات القرن الماضي، فقد أدرك هو الآخر أن بلاده، التي لا مورد لها غير زيوت النخيل، لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلاَّ بإقامة كيان صناعي، ولا يمكن أن يتم إقامة ذلك الكيان بدون تأسيس تعليم سليم. الذي به تمكَّنت «ماليزيا» في سنوات قليلة من إنتاج السيارة، والدخول في عالم الصناعة الواسع. * وإنَّ ممَّا يلفت النظر اليوم، أن سنغافورة وكذلك ماليزيا، لا تشكوان من بطالة، وليس لديهما عمالة تجوب الأرض للبحث عن عمل. وهي دعوة لعالمنا العربي الذي جاء ترتيبه متأخِّرًا كثيرًا في مؤشر «دافوس» أن يتَّجه ببصره إلى الشرق ينقل لنا تجاربه في التعليم، فحتَّى الدول الغربيَّة التي ارتمينا في أحضانها طويلاً جاء ترتيبها في المؤشر متأخِّرًا!!