لن آتي بجديد إذا قلتُ: إنّ الحياةَ لا تخلو مِن الكَدَر، وهذا لا يعني أنْ يعيشَ الإنسانُ منعزلًا مكتئبًا حزينًا، فهناك فسحة الأمل التي تستمر بها حياتُنا، وتأخذ بأيدينا إلى بساتين الفرح، ولله دَرّ الطّغرائي حين قال: أُعَلِّلُ النفْسَ بالآمالِ أَرْقُبُها ما أَضْيَقَ العيشَ لولا فُسحةُ الأملِ ونحن مَن نصنع الأملَ، بعون الرّحمن تعالى، لأنفُسنا ولغيرنا، فكلّما تعثّرنا، نهضنا مَرّةً أخرى، وكلما انسدّ في وجهنا طريق، بحَثنا عن البديل السّالك، وإذا أجدبتْ أراضي الروح، رفعنا أكفّ الضراعة إلى الرحمن، وابتهلنا أن يغيثنا بالطمأنينة، ويُنبِت في قلوبنا زهورَ السعادة، ليفوحَ عبيرُها في كلّ خطوةٍ مِن خطواتنا. يمتلك الإنسانُ الحيّ عقلًا يدرك ما حوْله، وينبض في صدره قلبٌ يستشعر آلامَ الآخرِين، ويشاركهم المسرّات والأحزان، فلا يَغرق في النِّعم، وينسى المحرومِين، ولا يتدثّر بالدفء، ويملأ بطنَه بالطعام، وينسى المرتجفِين برْدًا وجُوعًا وفقرًا، إنه يعطف على مَن تشاهد عينُه ملامحَ وجوههم الحزينة، ويتألم لأنين المرضى وبكاء الأيتام، فهو صاحِب ضمير متيقّظ باستمرار، يُشعره أنّ هناك غائبين عن بصره وسمعه، لا تقلّ حاجتُهم عن أولئك الذين أبصرتْهم عيناه، وسمعتْهم أذناه، يسكنون المنازلَ البسيطة، وتغطّي أجسادَهم الأسمالُ البالية، تتشابه أيامُهم ولياليهم المصبوغة بالحسرة، ولا يعرفون مِن البهجة إلا اسمَها، طوتْهم الفاقة عن مقابلة الناس، واكتسوا بلباسِ الحياء عن ذُلّ المسألة. يقول قائلٌ مِن الناس: الفقير يحتاج إلى شخصٍ واحد يَحفظ عليه كرامتَه، ويعطيه ما يحتاج مِن المأكل والملبس، وإذا لَم أفعل ذلك أنا، سيفعله غيري بالتأكيد، ويقول آخَر: سيصادِف اليتيمُ شخصًا واحدًا، على الأقل، يمسح على رأسه، ويكفكف عبْرتَه، وهناك عشرات بل مئات الأيدي غير يدي ستفعل ذلك بالتأكيد، ويقول ثالث: ما شأني؟! سيعثر المهمومُ على مَن يصغي إلى صوته، ويبدّد هَمّه وقلقه بكلمة، وهكذا يتم ترديد ذات الكلام، في أماكن وأزمنةٍ مختلفة مع المريض والغريب وعابر السبيل، ومع الذين «ضاقت عليهِم الأرضُ بما رَحُبَتْ وضاقت عليهِم أنفُسُهم وظنّوا أنْ لا ملجأ مِن اللهِ إلا إليه»، وهكذا بعضهم، يتجاوز البَشرُ هؤلاء المحتاجِين بلا إنسانيةٍ أو إحساسٍ بمعاناتهم. ينهض الإنسانُ الحقيقي بمسؤوليته، ويفيض إحسانُه وعطاؤه على الآخَرين، إنه لا ينتظر مِن الغير أن يمنحوا بلسمَ الرحمة للمكلومِين، ويقدّموا الغذاءَ والكساءَ والدواء، بينما يقف متفرّجًا ومردّدًا لعِباراتِ الأسى، ويقول: قد قام غيري بالواجب، فما علاقتي أنا؟!، إنّ الأمرَ يتعلق بي وبك وبكلّ مَن يستطيع تقديمَ أقلّ القليل للفقراء والمرضى وغيرهم مِن الموجوعِين. ياصاحبَ القلبِ الكبير، كُن أنتَ الواحدُ الذي تمتد يدُه إذا قَبض البخلاءُ أيديهم عن البِرّ، واجعل يدَك مع الأيدي المتزاحمة في ميادين التطوّع وعَمَل الخير، إيّاك أنْ تُغمضَ عينيك عن منظرٍ لجائعٍ أو باكٍ، واحذر أنْ تَصُمَّ أذنيك عن استغاثةِ محتاج، وتذكَّر دائما: «الراحِمون يرحمُهم الرحمن». تويتر : @yba13 [email protected]