قارئ كريم رضي لنفسه اسم (أبو جورج)، أراد أن يُذكِّرني بأنَّ أفضل ما ينبغي ذكره في تدوين الأصول والقواعد، أو ما اصطلح على تسميتها بالبروتوكول أو الآداب، هو تعلُّم الأدب النبويّ، وقد وصف الخالق نبيَّه بقوله: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلِقٍ عَظِيمٍ»، وله الشكر على هذه الالتفاتة التي ربما تحتاج إلى مراجعة شاملة للآداب النبويَّة، وهي عديدة، ولكن يمكن الاستشهاد ببعضها على الأقل، ومن بينها حسن التعامل مع الآخرين، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقد ينبهر المرء وهو يشاهد أحد الأفلام الأجنبيَّة للممثل، أو الفنان الذي يطعم زوجته، وينسى المرء أن سيَّد البشر قال: (إنَّ أفضلَ الصدقةِ لقمةٌ يضعُهَا الرجلُ فِي فمِ زوجتِهِ)، ومن آداب البيت نستشهد بما قالته السيّدة عائشة -رضي الله عنها- عندما سُئلت ما كان رسول الله يعمل في بيته.. قالت: كانَ بشرًا مِن البشرِ يخيطُ ثوبهُ، ويحلبُ شاتَهُ، ويخدمُ نفسَهُ وأهلَهُ. هذا هو البروتوكول الذي يفعله بعض الأزواج. قصّة الرجل اليهودي الذي جاء إلى الرسول، واخترق الصفوف حتَّى أتى النبيَّ عليه الصلاة والسلام، وجذبه من مجامع ثوبه، وقال له بغلظة: أوفِ مَا عليكَ مِن دَينٍ يَا مُحمَّد.. إنَّكُم تماطلُونَ يا بنِي هاشم فِي أداءِ الدّيونِ! وعلى الرغم أنّ موعد أداء الدَّين لم يحنْ، فقام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يهزُّ سيفه قائلاً: إئذن لِي بضربِ عنقِهِ يَا رسولَ اللهِ، فقالَ سيّدُ البشرِ لسيِّدنا عمر: (مُرهُ بِحُسنِ الطَّلبِ وَمُرنِي بحُسنِ الأَداءِ)، ممَّا جعل اليهودي يقول: والذي بعثكَ بالحقِّ يا محمَّد ما جئتُ لأطلبَ منكَ دَينًا، إنَّما جئتُ لأختبرَ أخلاقَكَ، ولقدْ قرأتُ جميعَ أوصافِكَ في التوراةِ فرأيتُهَا كلّها متحقِّقةً فيكَ إلاَّ صفةً واحدةً لمْ أُجرِّبهَا معكَ وهِي أنَّكَ حليمٌ عندَ الغضبِ، وأنَّ شدَّة الجهالةِ لا تزيدُكَ إلاَّ حلمًا، فأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ. وقد حسن إسلام اليهودي، واستُشهد في غزوة تبوك. من المجاملات في تقديم الهدايا إرسال باقة ورد، وهو من البروتوكول المتعارف عليه في الغرب، وله أصل في الإسلام، وفي الحديث (مَن عرضَ عليهِ ريحان فلاَ يردّه فإنَّه خفيفُ المحملِ طيبُ الريحِ)، ويسري هذا الأمر على تقديم باقة الورد التي يظنُّ البعض أنَّها عادة غربية المنشأ. البعض منّا يندهش عندما يرى الرجل الغربي يفتح باب السيارة لزوجته، ولم يعلموا أنَّه في غزوة خيبر جلس رسولنا الكريم على الأرض وهو مجهد، وجعل زوجته صفيَّة تقف على فخذه الشريف لتركب ناقتها.. ويعلم أحدهم إذا كان هذا سلوكه في المعركة، فكيف كان في المنزل. إنَّ من يطلع على الإتيكيت النبويّ، ويعرف هذه المدرسة العظيمة الشأن، سوف لا يستغرب ممَّا يراه في المدرسة السويسريّة أو الفرنسيَّة في الإتيكيت، ويكفينا أن نقتدي بسيِّد البشر وحسن تعامله مع الآخرين. [email protected]