التقنية الحديثة وجدت لتسهيل حياتنا وإسراع إنهاء متطلباتنا. ولذلك، فقد قامت العديد من الوزارات والجهات الحكومية الحيوية، باستخدام وسائل التقنية الحديثة لتقديم خدماتها الإلكترونية، سواء تقديم الطلبات أوالرد على المراجعين واستقبال الشكاوى وإنهاء الخدمات، دون الحاجة لزيارة المراجعين، إلا إذا تطلب الأمر ذلك. بل إن العديد من تلك الوزارات والجهات الحكومية قامت بالتخلص بشكل نهائي من الملف الأخضر العلاقي، ذائع الصيت عندنا، والذي كان لحقبة من الزمن يعتبر رمزاً من رموز البيروقراطية ، حيث كان لا يرتاح الموظف الحكومي ولا يهدأ له بال إلا إذا شاهده، أو يرفض لك المعاملة برمتها. ولكن الأمور دائماً عندنا مختلفة، فوسائل التقنية الحديثة المستخدمة من قبل الوزارات والجهات الحكومية، التي من المفترض أن تقوم بتسهيل وسرعة إنهاء معاملاتنا، أصبحت مصدراً جديداً لتعقيد المعاملات في قبل بعض الإدارات ، وفي بعض الأحيان قد تكون أسوأ من البيروقراطية نفسها. حيث من الواضح أن بعض الوزارات والجهات الحكومية قد تعاقدت مع شركات غير مؤهلة لتقديم الخدمات التقنية، فتجد الخدمات الإلكترونية لتلك الوزارات والجهات الحكومية تتعطل بشكل مستمر ولديها مشاكل تقنية كثيرة أو لا تجد طلبك من ضمن خيارات الخدمات الموجودة، لتضطر إلى تقديم شكوى وراء أخرى لإنهاء المشكلة التقنية وإنهاء معاملتك. والمشكلة الأكبر أن الخلل التقني لا يأخذ ساعة أو اثنتين ليتم حله، ولكنه يأخذ أياماً في بعض الأحيان، ولو تم تقديمها بالملف الأخضر العلاقي «ذي السمعة الطيبة»، لكان الموضوع انتهى منذ مدة.! ولكن المشكلة لا تنتهي هنا، فعندما تراجع الجهة المعنية لتقدم معاملتك يدوياً، بسبب تعطل النظام الإلكتروني البائس، فإن الموظف يرفض استلامها منك لكون أن جميع المعاملات لا يتم قبولها إلا عن طريق الموقع الإلكتروني، وعندما تفيده بأن الموقع معطّل أو عدم وجود الخدمة التي تحتاجها، فإنه يطلب منك الانتظار لحين حل المشكلة التقنية، بغض النظر عن تعطل مصالحك وانتظارك لفترة طويلة لإنهاء معاملاتك. بمعنى أن وسائل التقنية الحديثة في بعض الادارات والجهات الخدمية، أصبحت وبالاً علينا ومصدراً لتعقيد معاملاتنا، لا تسهيلها، وكأن وسائل التقنية الحديثة أصابتها عدوى بيروقراطيتنا ! لقد كنا في الماضي مع وجود الملف الأخضر العلاقي نواجه البيروقراطية بجميع أشكالها، ولكننا كنا «بتخديع» الموظف الحكومي و»حَب الخشوم» تنتهي معاملاتنا. والآن نواجه نظاماً إلكترونياً في بعض الجهات متعطلاً باستمرار، ولا ينفع معه توسل أو حَب خشوم ولا غيره، لينهي معاملاتنا، وترفض الجهة الحكومية استلام معاملاتنا يدوياً، ليطول وقت انهاء المعاملة بشكل قد يكون أبشع من البيروقراطية السابقة، ليجعلنا ذلك في بعض الأحيان «نترحم» على الملف الأخضر العلاقي ونتمنى عودته لتنتهي معاملاتنا. [email protected]