رحلة التفوق والصعود لسنغافورة تستحق التأمل بصفتها إحدى معجزات القرن العشرين . ففي عام 1959م إلى 1992م قاد لي كوان يو مسيرة بلاده نحو الاستقلال، وفي ظل قيادته أصبحت سنغافورة مصنفة من دول العالم الأول بعد أن كانت من الدول النامية ، تحولت إلى أنشط ميناء بحري في العالم وثالث أكبر موقع لتكرير البترول ومركز عالمي رئيسي للصناعات التمويلية والخدمات، وارتفع المتوسط السنوي لدخل الفرد من ألف دولار أمريكي إلى قرابة 30.000 دولار أمريكي خلال ثلاثة عقود فقط. قامت سنغافورة على جذب المهارات من جميع مناطق العالم وسعت في تحقيق معجزتها على بناء الإنسان. على منصة منتدى التنافسية العالمي في يناير 2008م وقف الزعيم السنغافوري في العاصمة الرياض يتحدث عن تجربته وطرح سؤالاً : لو ولدتُ سعودياً .. ماذا أفعل ؟ قال : أريدكم أن تقيموا صناعات تسمح لمواطنيكم بالاستثمار فيها وأن ترسلوا أبناءكم للعمل في الدول المتقدمة ثم العودة الى تأسيس أعمال صناعية ومصارف إسلامية جديدة ، وأن تتعلموا جيداً كيفية استثمار احتياطكم البترولي وكيفية إدارة مواردكم لتحقيق أكبر فائدة ممكنة . ماذا عملت سنغافورة ؟.. بداية تبنت نظاماً حازماً لتحديد النسل حيث جنَّب البلاد كارثة الانفجار السكاني الذي يعرقل دوماً التنمية حتى جاء اليوم الذي أصبح الإقتصاد السنغافوري في حاجة لمزيد من الأيدي العاملة المؤهلة ،غيَّرت الدولة سياستها السكانية وحفزت المواطنين على زيادة النسل. يقول المراقبون عندما استقلَّت سنغافورة لم يتوقع أحد أن تتحول هذه الجزيرة الصغيرة الى حاضرة مزدهرة تضم أنجح شركة طيران في العالم ، وأفضل مطار جوي ، وأنشط ميناء بحري وأن تصبح من أكثر بلدان العالم نظافة وأراضيها من أكثر البلدان أمناً واستقراراً وهي نموذج في المحافظة على البيئة والحفاظ على مستوى المعيشة . سنغافورة نتاج قيادة واعية أرادت أن تبنى وطناً للناس وليس لنفسها فلا غرو لو رأينا التوجه لبناء المصانع لا المحطات الفضائية ،واتجه الناس للعمل لا للإصغاء الى الإذاعة ، وأغلقت السجون لتفتح المدارس ودور العلم وأصبح هذا النموذج في قارة آسيا مناقضاً لوضع ماو الشيوعي وثوراته الثقافية . لقد كان لي كوان يو يتمتع بشخصية فذة واستخدم خلطته السحرية التي مزجت بين آداب الماضي وآفاق المستقبل وكان قبل أي شىء حريصاً على الكرامة البشرية. بعد ربع قرن من الآن سيتم التحدث عن تجربة المملكة العربية السعودية كمعجزة القرن الواحد والعشرين وبإرادة قيادتها وطموح أبناء هذه البلاد ،وإن غداً لناظره قريب. [email protected]