في أواخر التسعينات من القرن الماضي دخلت مدينة الرياض للعمل في شركة العائلة التي تعمل كما هو معروف في مجال توزيع المواد الاستهلاكية وكان موقع الشركة في حي العزيزية في طريق الخرج بعد مصنع الأسمنت ولا يزال، وكانت الرياض وستظل لها موقع في الوجدان وقد تزوجت منها وارتبطت بها، كان جدولي اليومي يبدأ بالاطلاع على البريد الوارد وتوقيع الأوراق المتعلقة بالعمل ثم متابعة سرعة تلبية طلبات العملاء بتحميلها لأن العميل أهم رأس مال في عملنا، ثم ألقي نظرة على المستودعات وأتحدث إلى العاملين فيها، يتبع ذلك خروج البائعين إلى السوق (فأنزل) لمتابعة توفر منتجاتنا في محلات الجملة وشبه الجملة، والسوبرماركت ثم البقالات الصغيرة، وهو نشاط يسمى متابعة البائعين والمدهش أن هذا النشاط الروتيني خلق نوعًا من الصلة الإنسانية بيني وبين العملاء الصغار بالذات فقد كنت أتحدث للعاملين الأجانب في البقالات وخصوصًا كنت آتي لبعضهم في الأمسيات حين لا يسعفني زمني النهاري وكنت أسألهم وأمضي مع بعضهم أوقاتًا مفيدة، هذا التواصل شكل مدخلاً للتعرف على التفاصيل عن أصحاب البقالات والتعرف على قصة عملهم في البقالة وكيف دخلوا وهل يستفيدون منها؟، ولم أندهش على حجم العائد عليهم ولكني تعرفت على قصص غاية في السمو والإنسانية حين استمعت لقصص تكاد تكون مكررة يحكيها الجميع وهي أن سمو الأمير محمد بن نايف كان له الفضل في دعمهم واتضح لي من الروايات أن لا أحد يتقدم لسموه ويرده ولهذا بفضل مساعدة سموه وتوفيق الله أمكن انتشال مئات الآلاف من الأسر من البطالة. أورد هذه الخلفية لأقول أن السوق عالم مليء بالخفايا والأسرار ولهذا من يردْ أن يخوض في أي شأن يخص أنشطة البيع والشراء في الأسواق، تستلزمْ الضرورة (نزوله) إلى الحواري والأزقة للتعرف على الواقع كما هو، وليعرف الملاك وحجم الاستفادة وما العائد على الاقتصاد الوطني، لأن الواقع الذي يتولد من الافتراضات أو من بعض الدراسات رغم بريقها الأكاديمي يظل معلقًا في الهواء بلا أرجل وهو ما يقود لاستنتاجات ضارة ولقرارات أكثر ضررًا وربما فتكًا بالاقتصاد، هذا لا ينفي وجود بعض حالات التستر في نشاط البقالة ولكن التعميم في أي أمر يفارق الصواب دائمًا، ومع كامل التقدير لمداولات مجلس الشورى الموقر، حول إغلاق نشاط البقالات فإني أدعو إلى التروي وتقليب خيارات أكثر نفعًا للأفراد وللاقتصاد، كما اتطلع لتدخل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف الذي طالما ذكر بمساعداته التي لا تعرف المن ولا الأذى، ليساعد هذا القطاع باعتباره من الأنشطة المتناهية الصغر والتي تستحق التشجيع والدعم فالذين التقيتهم بالرياض يدعون له بظهر الغيب وحتمًا المثل الدارج خير موعظ إذ يقول «قطع الرقاب ولا قطع الأرزاق».