على الرغم من مُحاولة كثيرين الابتعاد عن مواطن الضجيج تجنبًا للضغوطات العصبية والنفسية، إلا أنهم يعانون في الوقت نفسه من شعور بفراغ قاتل، نتيجة عدم إشغال فكرهم وأوقاتهم بما يعود عليهم بالنفع. من المعلوم ما قد يسببه التعرّض لضجيج الحياة المدنية بجميع أنواعه من أمراض عضوية واضطرابات في المزاج والنوم، إلا أن ليس كل ضجيج يؤدي إلى تلك المشكلات، فمن السلوكيات التي ينصح بها في أحيان كثيرة، التعرّض «للضجيج الأبيض» وهو ترجمة للمصطلح الأجنبي «White Noise» للإشارة إلى نوع مُفيد من الضجيج بوتيرة مستقرة ونمط ثابت وصوت منخفض وذبذبات تتوزّع بتوازن وتساوٍ على المدى السمعي، بحيث تعزل السمع والفكر عن عدد من أنواع الضجيج الصاخب المزعج وبخاصة عند احتياج الإنسان إلى الراحة والهدوء والنوم، وهو من الوسائل المستخدمة للتغلب على أرق بداية النوم وقد يفيد بعض الناس. وأرى أن أحد أسباب الشعور بالضيق والقلق وأعراض الاكتئاب، معيشة كثير من الناس في فراغ كبير وخواء قاتل وفضاء ذي صمت مُطبِق، يجعلهم عُرضة لسماع أصوات لغط كثيرة لا يمكنهم معها التركيز في أي منها، فهي تشوّش عليهم تفكيرهم وتشتت تركيزهم، والأسوأ أنها تُعكّر عليهم صفو نومهم. ومن أجل التغلّب على الفراغ القاتل أو الصّخب المزعج، من الحكمة ملؤه بأنواع «الضجيج الأبيض» كهوايات شخصية ومشروعات تنموية، أو دورات تدريبية ورياضات بدنية وذهنية، أو رحلات سفر سياحية، أو التطوّع لخدمة المجتمع، تحجب عن أحدهم ضجيج أكثر الناس ولغطهم، وتُشغله عن تفاهاتهم وسخافاتهم وضجيجهم «الأسود» الذي يغصّ بأنواع الأذى اللفظي والنفسي، كذلك المنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، أو الأذى السلوكي والإداري المُتفشّي في الطرقات وأماكن العمل، ليحوّل المرءُ انتباهه إلى أمور أكثر مُتعة وفائدة، ويقاوم طاقات الناس السّلبية ويُحسِن استغلال طاقاته الإيجابية في الاهتمام بمزاجه وتدليل روحه وعلاج نفسه وتطوير قُدراته، فمخالطة أكثر الناس لا تخلو من الأذى، وصدّ أذاهم بأنواع «الضجيج الأبيض» من الحكمة والمنطق السليم. [email protected]