حتمًا تعكس إقامة معارض الكتب مؤشرًا إيجابيًا للمستوى القرائي لأي شعب، ويتعاظم هذا المؤشر عندما ترى الاصطفاف الكبير على بواباتها من الجنسين وفي مختلف الأعمار السنِّية؛ مما يمنحك حبورًا عن واقع الثقافة التي هي مُخرج شرعي للقراءة، ومصدر للوعي في سياقيه الفردي والجمعي، وإضافة تراكمية للمعرفة الإنسانية التي لا تتوقف عند حد مكاني أو فاصل زماني، بقدر ما تستلهم تطورها من الكم الذهني، والكيف المُنتقى من تجارب وخبرات الآخرين. خلال أشهر أُقيم معرضان للكتاب في جدة والرياض، وشاهدت فيهما الإقبال المتميز على اقتناء الكتب في مساراتها المُتعددة في ظل سطوة التقنية ووسائطها المُتنوعة، ناهيكم عن الفعاليات المُصاحبة التي تتوزَّع بين الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية -وإن كان اختيارها على استحياء- جراء هاجس التوجس من بعض الحضور في مثل هذه التظاهرات الثقافية التي من المفترض أن يكون هامش الحُرية فيها عاليًا، في ظل الثوابت الدينية والمُجتمعية، وإعطاء الإبداع مساحة غير مُحددة في ميدانه لكي نرى تراتيل غير مألوفة، ومنتجات تكون شاهدة على فكرٍ ناضج، يجعل لها أثرًا في الواقع، وإعجابًا في المُتلقي. فبعيدًا عن الإسقاطات السلبية التي لا ينفك من تداعياتها أي نشاط مجتمعي؛ إلا أن دعم الإيجابيات هو الذي يجب أن نتمسك به، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن القراءة مقوِّم رئيس لتنمية المجتمع، وملمح يُغيّر من الصورة الذهنية المطبوعة عنّا في عقول الآخرين من أن الرفاهية التي نعيشها جعلتنا هامشيي الحضور، سطحيي التفكير؛ فكل ما أتمناه أن تُدرس الهنَّات التي تمر بها هذه الفعاليات، ودراستها بتجرُّد، مبتعدين كل البعد عن الارتهان للتيارات المُتصارعة التي لا همَّ لها سوى إثبات ذاتها ولو حساب المُستقبل، وتصفية الحسابات الواهنة التي لا وجود لها سوى في تفكير من وَهن فكره ومَرِض قلبه. [email protected]