* اختار المستعرب الإنجليزي ليزلي مكلوفلين Leslie-Mcloughlin، عنوانًا رومانسيًّا وهو: «في بحر المعرفة» لكتابه الذي دوَّن فيه مسيرته مع اللغة العربية متعلِّمًا، ومترجمًا، ومستشارًا، ومعلِّقًا في وسائل الإعلام البريطانية مثل الإذاعة والتليفزيون، ومحاضرًا، وناشرًا، وزائرًا للعديد من الدول العربية، بل ومرافقًا لملكة بريطانيا، وعدد من رؤساء الوزراء كمترجم. * لقد دوَّن هذه المسيرة في إطار مسيرة تعلم العربية في المملكة المتحدة كلغة منذ عام 1990م حتى عام 2000م، مع أنه يشير في بعض صفحات كتابه هذا إلى أن كرسيًّا للغة العربية أنشئ في جامعة أكسفورد سنة 1889م، ولعلّه من المدهش عندما يضعك أمام معلومة هامّة مثل: أن رئيس الوزراء البريطاني الراحل، والذي ارتبط اسمه بأزمة السويس عام 1956م أنتوني إيدن Eden تلقى العربية في جامعة أكسفورد على يد المستشرق المعروف ديفيد مرجليوث Margolioth - 1858-1940. * وظلت أقسام الدراسات الشرقية في جامعات بريطانية مثل: كمبيردج، ولندن، وفكتوريا مانشيستر، ودرم، وأدنبرة، وإكستر، ولانكستر، وسانت إندروز تدرِّس اللغات الشرقية وسواها مثل: الفارسية، والتركية، والعبرية، وفي مقدمتها العربية من ذلك التاريخ إلى وقتنا الحاضر، بل إن هذه الجامعات استمرت في إعطاء برامج لتعلم اللغة الروسية، رغم حدَّة المواجهة السياسية بين المنظومة السياسية الغربية الرأسمالية، والمنظومة الشيوعية. * ولعلّ تأسيس هذه الأقسام كان في الحقبة التي كانت بريطانيا تنطلق في تعاملها مع دول المشرق العربي من منظور سياسي محض، ولكن يظل باعث البحث عن الآخر ومعرفته هاجسًا لدى مراكز البحث والدراسة، بل إن كثيرًا من الرحَّالة غامروا بحياتهم لبلوغ أماكن بعيدة، وعادوا ليدوِّنوا بتحيّز أحيانًا، وبحيادية أحيانًا أخرى مشاهداتهم، وانطباعاتهم مثل ما فعل الرحالة الإنجليزي سير ريتشارد بيرتون Burton 1821-1890. * ويقودنا هذا المنحى الغربي في معرفة الآخر، وتعلُّم لغته إلى الإشارة إلى أنه في الوقت الحاضر، وفي ظل الخلاف السياسي حول الوجود السوفيتي في بلد عربي مثل «سوريا» مذكّرًا بالحقبة الاستعمارية التي توهَّمنا أنها انتهت إلى غير رجعة، نشاهد في بعض القنوات الفضائية شخصيات سياسية إعلامية وصحافية وفكرية روسية تتحدّث العربية، وكذلك الأمر يتبدَّى واضحًا في الاهتمام الإسرائيلي بتعلّم العربية، ومحاولة التأثير من خلال الحديث بلغتنا على الأفكار، ليس عند صغار السن، بل عند كبارهم أيضًا. * ويبقى السؤال مطروحًا: متى تهتم جامعاتنا بإنشاء مراكز متخصصة لتعلّم اللغات الأخرى؟ وبذلك نستطيع إبلاغ رسالتنا بالصورة الملائمة، وليس هناك من داعٍ للتخوّف، أو التردد، فلقد ولَّى زمن التقوقع، والانكفاء على الذات.