* تطّرقت في حلقات سابقة للبحث الجاد والهام الذي كتبه البروفسور إدموند بوزورث C.E.bosworth أستاذ الدراسات العربية المعروف، والذي يتناول من خلاله تأثير الأدب العربي في الأدب الإنجليزي، وتوقفت عند شخصية الأديب الفيكتوري “السير ريتشارد بيرتون” Richard -Burton 1821 -1890، والذي كان متمكنًا من القراءة والمحادثة باللغتين العربية والفارسية، ولعل أشهر الأعمال التي اشتغل عليها هي قصص ألف ليلة وليلة، وفي المقدمة التي كتبها محررو مختارات رائعة من حكايات ألف ليلة وليلة نجد في مقدمة المحرر معلومات هامة تخص هذا العمل الأدبي الذي قام “بيرتون” بترجمته شعرًا من العربية إلى الإنجليزية، واستغرق عدة عقود بداية من النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي 1840م، حيث كان يعمل “بيرتون” مسؤولًا في إحدى شركات الهند الشرقية، وهذا العمل مع صبغته العسكرية إلا أنه هيأ له فرصة لتعلم اللغات الأخرى، ولم ينقطع “بيرتون” عن تنقيح وتذييل وإعادة صياغة ترجمته لقصص ألف وليلة حتى أنتهى من إخراج هذه الترجمة في صورتها النهائية في عام 1884م، ويذكر KATHY- CASY في المقدمة أنه من حسن حظ “بيرتون” أن عمله هذا ظهر في حياته؛ حيث قامت زوجته الكاثوليكية المتعصبة ISAHEL بعد وفاته بحرق العديد من مخطوطاته وترجماته وسيرة حياته، والتي أمضى العقد الأخير من حياته يعمل على تهيئتها للنشر، ولا تُعرف البواعث لإقدام شريكة حياته على خطوة مدّمرة كهذه. * لمعرفة المزيد عن حياة بيرتون يمكن الرجوع إلى كتاب الباحث الإنجليزي Georgiana. M. Stisted The True life of Captain Sir Richard.F.Burton,1985. * وتصف الباحثة المعروفة فاطمة موسى محمود ترجمة “بيرتون” لهذه القصص التي شغف بها المجتمع الغربي المثقف منذ ترجمتها من العربية إلى الفرنسية في القرن الثامن عشر الميلادي بجهود الباحث انطوان جاك ند Galland، بأن عمل “بيرتون” يمثّل حشدًا لخبرات كثيرة تجمّعت في شخصيته كجندي محارب، ولغوي، ورحالة مُكتشف، وتعد ثمرة لرحلاته الأولى للبلاد العربية، وكانت زيارته الأولى للمناطق المقدسة في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة في زي حاج فارسي سنة 1853م. وقد زوّدته رحلاته الاستكشافية إلى إفريقيا بطاقة جديدة لمزيد من البحث التعمّق في الأدب العربي وخصوصًا لقصص ألف ليلة وليلة. ** وتضيف الباحثة أن أجواء بلاد الشام التي عمل فيها ديبلوماسيًا ممثلًا لبلاده زوّدته بطاقة جديدة لتكرّس جلّ اهتمامه “الليالي”، مُضيفة أن مما يميّز ترجمة “بيرتون” لهذا العمل الأدبي الهام هو انطلاقه من عشقه للمنطقة العربية التي مثّلت مصدرًا خصبًا للتجارب الشخصية -عنده- وإثراءً لعنصر الخيال، وكان عملًا مضادًا بشكل كبير لاتجاه الرحالة الذين جاؤوا بعده، ولعل الباحثة ترمز إلى أن بعض من تصدّوا للأدب العربي وترجمته من الباحثين الغربيين كانوا ينطلقون من دوافع غير بريئة يتداخل فيها السياسي بالأدبي. وهو اتجاه نجده أيضًا عند المستشرقين الذين جعلوا من الدراسات الشرق الأوسطية وسيلة لخدمة الأهداف الاستعمارية، ويبرز في العصر الحديث اسم المستشرق بيرنارد لويس Bernard lewis كمثال لهذا التوجّه. وقد تخرج “لويس” في جامعة لندن، وعمل محاضرًا ثم أستاذًا بجامعة لندن منذ عام 1938م، ثم غادر بريطانيا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو إن حاول إخفاء تعصّبه المُنطلق من جذوره اليهودية إلاّ أنه يبرز بشكل لافت في بعض مؤلفاته منها كتابه الموسوم “العرب في التاريخ” The arabs in History. * وأخيرًا أضحى “لويس” المنظّر لفكر المحافظين الجدد والداعم لآرائهم المتشدّدة في مواجهة العالم الإسلامي عسكريًا دون تمييز بين أقلية متشدّدة يعاني منها المسلمون -أنفسهم- كما يعاني منها الغربيون، وأكثرية مُعتدلة عاش بينها اليهود لحقبة طويلة، ونالوا من حقوقهم المدنية في مجتمعاتها المسلمة ما لم ينالوه في مجتمعات أخرى، وخصوصًا تلك الحقبة التي يصفها المنظّر الصهيوني “أبايبان” Abb ban في مذكّراته بأنها كانت الحقبة الذهبية في تاريخ اليهود، ويعني بها الوجود اليهودي في ظل الدولة العربية المسلمة في بلاد الأندلس، كما ضمنت لهم الدولة العثمانية حياة كريمة، وذلك من خلال نظام الملّة الذي كفل حقوق الأقليات المسلمة، وهو ترجمة عملية لمبادئ الإسلام منذ هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وعمله مع صحابته رضوان الله عليهم على تدوين وثيقة المدينة، وهي أقدم وثيقة حقوق إنسان.