نمنا في العسل سنين طويلة.. أصابنا تدفق البترول بصورة سخية، بنوع من الاسترخاء، ظننا أنه سيبقى معنا إلى الأبد، لا يُؤثِّر فيه النضوب، ولا عامل انهيار السعر. لم نفطن للعبارة الشهيرة لابن خلدون.. الحياة لا تدوم على وتيرة واحدة. فلم نُفكِّر جديًّا في البحث عن مصادر بديلة. كنا قبل خمسين عامًا أكثر إدراكًا، فأصدرنا نظام استثمار رأس المال الأجنبي، الذي بررت مقدمته، صدوره، لا لسبب الحاجة إلى رأسمال يأتينا من الخارج، بل لجلب الخبرة للتأسيس لبناء قاعدة صناعية حتى لا يكون اعتمادنا على البترول وحده، فلا تنمية اقتصادية، ولا فرص عمل بغير التصنيع، فالبترول زائل، بهذه العبارة؛ كانت تقول المقدمة. وانطلاقًا من هذه الحقيقة، جاء نظام حماية وتشجيع الصناعات الوطنية بكل ما حمله من مميزات للمستثمرين. مرّت السنون، ولم نظفر بتحقيق الحلم كله أو بعضه، ولازلنا نعتمد على البترول كمصدر بنسبة 90% من احتياجاتنا، ليهوى باقتصاديات البلاد، حين تهوى أسعاره بالصورة الدراماتيكية التي نشهدها. وقد يدفع هذا الوضع المأساوي للقيام بعمل سريع.. طوق نجاة، يحقق ما كان قد فطن إليه الآباء، يؤسس لمصادر جديدة فلا تتعرقل برامج التنمية، يصنع أجيالاً تبنى بفكر جديد، ورؤى مستقبلية في زمن لا يقدر على العيش فيه إلاّ الأقوياء. وقبل أيام قرأنا أن دبي أعلنت أن اعتمادها على البترول تراجع بنسبة 70% من احتياجاتها، وأنها تخطط خلال الخمس سنوات المقبلة لكى تصل نسبة اعتمادها على البترول إلى حدود الخمسة في المئة. وهي تنتظر اليوم الذي تحتفل فيه بتوديع آخر برميل، أي أنها سوف تنفض يدها من البترول.. وتقول له وداعًا. وتبني حاضرها ومستقبلها على قاعدتها الصناعية. ولكي نصل إلى هذه الغاية علينا أن نعيد النظر في كل شيء.. في التعليم، وفي بناء جهاز بيروقراطي قادر، ومواصلة الحملة على الفساد كبيرة وصغيرة. وتطوير قوانين الاستثمار، وإزالة العراقيل التي تعترض طريقه.. وبالتأكيد، فهذه الأمور هي اليوم محل نظر مجلس الاقتصاد والتنمية الذي يُعوِّل الكل عليه كثيرًا!