السجال الحضاري بين العرب والغرب له جذور في التاريخ والديانات وفي العصر الحديث الاقتصاد والسياسة والإعلام. وفي كل عصر يعود المنظِّرون والإعلاميون لتفتيش الدفاتر القديمة ونبش الماضي وتوظيف كل ما فيه من سلبيات وايجابيات لدعم مواقفهم. والصراع الحضاري على منطقة الشرق الأوسط التي يسكنها العرب لم ولن يتوقف مادامت موازين القوى مختلة لصالح الغرب. وفي هذه المرحلة كما في سابقاتها الإنسان العربي في موقع المتلقي للكمات وكلما حاول النهوض لرد اللكمات أتى رد عنيف ليعيده الى حيث كان من التخلف وعدم الاستقرار. وكما هو معروف بأن العدو الخارجي على الدوام يبحث عن التناقضات الداخلية لكي يوظفها لخدمة مصالحه. تفرُّق العرب يوفر مادة خصبة يظل أعداؤهم يستخدمونها لتعزيز مواقفهم. اعتماد العرب على التحالفات الخارجية كان على الدوام رهاناً فاشلاً لأن تلك التحالفات لها طابع متغير ومرهونة بالمصالح الوقتية. ورغم الإخفاقات المتكررة جيلاً بعد آخر لم يتعلَّم العرب منها ان الاعتماد الذاتي هو الطريق الصحيح وليس التناحر والتفرقة التي أصبحت تنسب ظلماً لجينات الإنسان العربي. وتصعيد الهجمات الإعلامية التي يشنها الغرب في الوقت الراهن ليس جديداً ولكن الإنسان العربي لم يدرك أن خطط الغرب بعيدة المدى وليست مجرد موضة موسمية تظهر وتختفي حسب المزاج. كما أن حوارات الأيدولوجيا المطاطة من شأنها أن تشغل الأمة عن الأهم في سبيل تفاصيل صغيرة لا طائل منها. لدينا أمثلة كثيرة معاصرة على رأسها القضية الفلسطينية واختلاف الفلسطينيين داخلياً والعرب خارجياً حول تحديد أي المسارات يؤدي الى نهاية مقبولة. وموجة الربيع العربي والخلافات الداخلية في كل دولة - من الدول المنكوبة - على من يقتل أكثر من رفاقه بشكل بشع حتى يتمكن من اغتصاب مقعد السلطة الظالمة التي ثارت الشعوب للتخلص منها. هذه الحيثيات وغيرها توفر أرضية خصبة للإعلام الغربي لتصعيد حملاته التي تحقق الاستراتيجية الغربية الكبرى الرامية لإضعاف العرب وتحقيق تطلعات الصهيونية العالمية والمد الصليبي اللصيق لها. ومثلما يستخدم الإعلام الغربي الاضطرابات في دول عربية تدافع أنظمتها الفاشلة عن البقاء فإن ايران أيضا لها أجندة تستفيد من التناقضات العربية والمد الإعلامي الغربي الذي يحاصر العرب بشدة في هذه المرحلة. لقد قيل من قبل بأن العرب أمام انكشاف استراتيجي بسبب الغفلة وسكرة الرخاء والاستقرار النسبي الذي أغرقتهم فيه عوائد الثروة البترولية والحل يكمن في تحول سريع الى عمل مؤسساتي وإشراك الشعوب في صناعة القرار بدلا من القرارات الفردية التي أوصلت الأمة الى ما هي عليه حاليا. في عصر إعلام الفضائيات لم يعد بالإمكان اخفاء العيوب وكل خلل في توجه العرب يستخدم بذكاء ضدهم من قبل الإعلام الغربي. إن جذور موجة الارهاب الذي لا يفرق بين عدو وصديق أصبح أيقونة الإعلام الغربي المعاصرة ليشن الهجمة تلو الاخرى على العرب وثوابتهم وقد حصل ذلك من قبل عند سقوط الأندلس وطرد المسلمين منها في القرن الخامس عشر الميلادي ولم يفق العرب من تلك النكبة وآثارها. [email protected]