ضَعُفَ دور المنزل في تربية أولاده، وتخلّت المدرسة عن واجباتها، وأدار المجتمع ظهره عن دور كان يلعبه في القديم القريب. وقد نتج عن غياب هذه العناصر الثلاثة ضياع أجيال. ولم نجد مَن يملأ الفراغ إلاَّ الأمل في منبر المسجد، إمامه، ووعّاظه. لكن معظمه -مع الأسف- لم نلمس له ذلك الأثر الكبير. فقد انشغل بقضايا بعيدة، وموضوعات صغيرة، يكرّرها كل يوم وليلة، فلا نجد لما نريده منه صدى، بل إنه في أحيان، كان عاملاً في نشر ظاهرة التطرّف. * ومنذ مدة أخذتُ أتنقّلُ لصلاة الجمعة بين مسجدٍ وآخرَ، في محاولة لمعرفة خطابها، أبحث عن دور منابرها في معالجة قضايا مجتمعاتنا المعاصرة.. قضايا جديدة لا سابق لها، في عصر أزمات أحاقت بنا، تستهدف وحدة الأمة وأمنها وسلامتها. في عصر توحَّش الإرهاب، وعمَّ الفساد، في عصر اندثرت فيه القيم، في عصر انتشار المخدرات؛ أخطر سلاح صنعه الشيطان لتدمير البشر.. لم أجد فيما اختلفت إليه، المنبر الذي يعطي الشباب جانبًا من اهتماماته.. المنبر الذي يدعو الشباب دائمًا للالتفاف حول أوطانهم، ويُصحِّح عقول من اشتطوا ليحول دون ظهور عناصر ضالة ابتليت بضلالها أمتنا على مدى عقود. * علينا إذن أن نعيد النظر في الخطاب الديني، ليس كما يفهم البعض خطأ، بالعبث بأصوله، ولكن بحسن اختيار الموضوعات التي تُبث لأمتنا. ويجب أن لا تُترَك المنابر لهوى أيّ واعظ.. لابد أن تضع الوزارة المعنية منهجًا لهذا الخطاب، يراعي الظروف التي نعيشها، ويدرأ الأمراض التي تنخر عقولنا.. ولنعي أن دور منبر المسجد أخطر من الراديو.. أخطر من التليفزيون.. أخطر من كل الوسائل الإعلامية في نشر الوعي، وتقوية العقيدة، وتربية المجتمع، وتصحيح أخطائه إذا نحن أحسنّا استخدامه!!