من جميل المصادفة هذا العام؛ اقتران اليوم الوطني لمملكتنا العربيَّة السعوديَّة بيوم عرفة. يوم الأوَّل من شهر الميزان؛ شهر الاتِّزان والاعتدال، ففيه تتساوى ساعات الليل وساعات النهار؛ مصادفة لا تأتي إلاَّ مرَّة واحدةً كلَّ ثلاثة وثلاثين عامًا وأربعة أشهر. لقد وُلدت المملكة في الأول من الميزان عام 1932م، وبولادتها عمَّ الأمن والأمان والاستقرار أرجاء المملكة، من شواطئ الخليج العربي إلى شواطئ البحر الأحمر، وأصبحت مسالك الطرق المؤدِّية إلى الحرمين الشريفين آمنة بعد سنواتٍ مديدة، حيثُ كان قاصد الحجِّ بحكم المفقود إلى أن يعود إلى أهله سالمًا؛ إذا سلم في الذهاب والإياب من قطَّاع الطرق الذين يسلبونه ماله وعتاده، وإن قاوم يقتلونه. لهذا كانت الدول المجاورة تُرسل فِرقًا عسكريَّة تُرافق حجَّاجها، وبحوزة قائدها صرر من الأصفر الرنَّان؛ يُوزِّعها على معترضي الطريق لضمان سلامة الحجيج، إلى أن تولَّى أمر الأمَّة الملك المؤسِّس -طيَّب الله ثراه- فاستأصل شأفة قطَّاع الطرق بتطبيقه شرع الله. من حسن طالع المملكة تمتَّع كلُّ من تتابع على حكمها من أنجال الملك المؤسِّس بالحكمة والدراية، وحسن تصريف أمور الأمَّة، لما فيه خير أفرادها. وأعطوا الحرمين الشريفين والمشاعر المقدَّسة ما تستحقُّه من العناية، بتوسيعات متواصلة لاستضافة ضيوف الرحمن حجَّاجًا ومعتمرين، وتوفير كلِّ متطلَّبات رحلتهم المقَّدسة من إسكان ورعاية صحيَّة ومواصلات وخلافه من الخدمات. وكان لدول الجوار حقُّهم الأخوي في التعاون والمؤازرة. ووقفت المملكة وما تزال مع الأخوة الفلسطينيِّين تُدعم حقَّهم الشرعي في دولة مستقلَّة عاصمتها القدس الشريف، وإلى جانب عرب الشمال في وجه العنف الطائفي والهجمة الصفويَّة، وكذا مع عرب الجنوب وقد تعرَّضوا لهجمة شرسة من الحوثيِّين، الذين اشترى الفرس ذمَّتهم لمحاصرة جزيرة العرب من جميع أطرافها، طمعًا في السيطرة على الحرمين الشريفين إحياءً لمجدهم الفارسي، إلاَّ أن عاصفة الحزم المباركة قد أطاحت بأحلامهم، وكشفت مخططاتهم. مع حجَّاج بيت الله الحرام الذين أكرمهم الله بحجّ هذا العام، أرفع معهم أكفَّ الضراعة إلى الواحد الأحد ليعمَّ السلام البلدان كافَّة، ويعود الودُّ والإخاء قاسمًا مشتركًا بين دولنا العربية والإسلامية، وأن يفكَّ أسر بيت المقدس، وينهي معاناة عرب الشمال وعرب الجنوب بالتي هي أحسن، ويُجزي ولاة أمرنا خير الجزاء، ويأخذ بيدهم إلى ما فيه خير البلاد والعباد. وبهذه المصادفة المباركة دينًا ودنيا، أقول: ما أجمل المصادفة بلا ميعاد، وكلَّ عامٍ وأُمتنا العربيَّة والإسلامية بخير، والعالم بأمن وأمان.