الحديث عن مثقَّفي اليابان ممتع وشيِّق، خاصَّة مع من جمعني العمل بهم في طوكيو . وما يزال بيني وبين العديد منهم اتِّصال وتواصل حتَّى اليوم. وقد ثمَّنت كثيرًا مداخلة صديقي الياباني على شاشة الإنترنت التي كتبت فيها مقالي الأسبوعي الذي ظهر في عدد هذه الصحيفة الغرَّاء يوم الجمعة؛ 7 أغسطس الجاري تحت عنوان: «تأهيل الشباب علميًّا ضمان المستقبل «. وفيه تطرَّقت إلى تأكيد الصديق الياباني ضرورة تأهيل مدرِّسي المملكة من جديد ليتمكَّنوا من تقديم المناهج العلميَّة التي لا بدَّ من وضعها سريعًا لدفع المملكة قُدُمًا في مسيرة التحديث واللحاق بركب المعرفة والتقنية. لم أجد غريبًا اقتراحه تجنيد شريحة من مبتعثي برنامج خادم الحرمين الشريفين الذين أنهوا تحصيلهم العلمي في أرقى جامعات العالم؛ ومن بينها جامعات اليابان للاضطلاع بمهمَّة التأهيل والمشاركة في مهنة التدريس، أسوة بما عملت به اليابان في مرحلة انفتاحها الأُولى على العالم الخارجي في عهد الإمبراطور المصلح ميجي بعد تعرُّض الجزر اليابانيَّة لهجمات الأسطول الأمريكي بقيادة ماثيو بيري في يوليو 1853 من أجل إخضاع اليابان لتوقيع اتِّفاقيَّة التجارة العالميَّة. وكان أن أدرك الإمبراطور ميجي أهميَّة العلم في كسب معارك الحروب، فأرسل مجموعات من الشباب للعديد من الدول الغربية للتزوُّد من مناهل التكنولوجيا الجديدة، واستيعاب طرق إنتاجها وإدارتها. فما هي إلاَّ بضع سنين، وعاد المبتعثون اليابانيُّون إلى بلدهم مسلَّحين بما اكتسبوه وأجادوا فيه مقلَّدين ومبدعين، ثمَّ في بلدهم مؤهَّلين لتدريب طلبتهم على العلوم الحديثة ممَّا جعلهم قوَّة عسكريَّة لا يستهان بها في الشرق الأقصى. وكان انفتاح اليابان الثاني في عهد الإمبراطور هيرو هيتو بعد خروج اليابان من الحرب العالميَّة الثانية مهيضة الجناح، ومدنها مدمرَّة، وأخصُّها هيروشيما وناغازاكي اللتين قصفهما الأمريكان بقنبلتين ذرِّيتين. تركت الهزيمة في الحرب للإمبراطور خيارين؛ إمَّا طلبه من شعبه الاستكانة والتسليم بالهزيمة، أو الاعتراف بواقع يحفزهم للعمل على بناء يابان جديد مزوَّد بالعلم والتقنية، وهذا يتطلَّب الإقبال على الدراسة في جامعات الغرب وأمريكا، فبهما تمكَّن الحلفاء من الانتصار على دول المحور! فاختار شعب اليابان التحدِّي، وتوجَّه شبابه إلى أرقى جامعات العلم، وإلى أشهر المصانع في الولايات المتَّحدة وأوربَّا وعادوا الى بلدهم ليبنوا بالعلم ومهنة التعليم يابان اليوم المتفوِّق علميًّا وتقنيًّا . لدينا اليوم آلاف مؤلَّفة من شباب بلدنا ينهلون العلم والتقنية من منابعها في الغرب والشرق؛ وفريق منهم في طريق عودته إلى الوطن بعد أن أكمل ما ابتُعث من أجله, ولا بدَّ أنَّ لديهم رؤية لما يجب أن تكون عليه المناهج التعليميَّة من الحضانة وحتى الجامعة، ولما يجب أن يتوفَّر للمدرِّس من مؤهِّلات تمكِّنه من نقل المناهج الحديثة إلى طلبتهم ، فمساهمتهم في صياغة المناهج وتأهيل المدرِّسين من الأمور المطلوبة وفاءً لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، ولحقِّ الوطن عليهم، وضمانًا لحياة أفضل لابنائهم ولأحفادهم. ومن المؤكَّد أنَّ الدولة ستوفِّر لهم كلَّ الحوافز الماديَّة، وسيقابلهم المجتمع بما يستحقُّونه من الوفاء والتقدير.