لا يخفى على أحد ما وصل له الإنسان اليوم من تطور في وسائل الاتصال والتفاعل، وهو نتيجة حتمية لثورة علمية وتكنولوجية لا يختلف اثنان في اعتبارها واحدة من أهم ما وصلت له البشرية، من تقدم علمي مكّنها من اختزال سنوات من البحث والجهد وبلوغ مجالات معرفية حساسة ومعقدة لم يكن الإنسان ليبلغها لولاه.ولئن مثلت اللغة قديما أهم وسيلة اتصال، فإنها اليوم لا تعدو أن تكون جزءًا من المعادلة ووسيطًا بين الإنسان والجهاز يتم توظيفها بالشكل الذي يسمح به تطور تقنيات البحث. وباكتشاف الهواتف الخلوية والحواسيب المحمولة وتركيز الأقمار الصناعية وبروز اللغة الرقمية.. شهد العالم تطورًا مذهلا في مجالات الاتصال التي سهلت الولوج لكل العلوم والفضاءات وتقريب وجهات النظر واختزال الكون كله ليصبح قرية صغيرة. وبالوصول إلى مرحلة وسائل الاتصال التفاعلي أو ما يعرف بالوسائط المتعددة أصبحنا نتحدث عن مجتمع المعلومات الذي يعتمد بالأساس على الحاسبات الإلكترونية والألياف الضوئية وأشعة الليزر والأقمار الصناعية.وقد مكن هذا التطور الكبير لوسائل الاتصال من تحقيق أشواط متقدمة جدًّا في مجالات الطب والكشف المبكر للأمراض وإجراء جراحات دقيقة جدًّا حتى في المرحلة الجنينية لتكوّن الطفل.. كما قطعت الدراسات الهندسية مرحلة متطورة في إرساء نظم تحكم واستعلام غاية في التجريد ولا متناهية في المكان والزمان وغيرها من مجالات البحث والدراسات، لكنه كان مصحوبا بجملة من المشكلات التي تكبر وتزداد تعقيدًا كلما زادت مظاهر التطور تضخمًا وقوةً.فهذه الوسائل زادت من انكفاء الأفراد على أنفسهم وساهمت في تفكيك الأسرة وتفاقم حجم القطيعة وتباعد المسافات بين أفراد العائلة الواحدة. وصار لكلّ فردٍ عالمه الخاص أو لنقل أسرته الخاصة في كون افتراضي، وصار الإنسان يمارس أغلب طقوس حياته من خلف الشاشات بأنواعها، وصرنا نتحدث عن انعدام الحدود، وهذا لا يهدد مفهوم الأسرة والمجتمع فحسب بل يهدد حتى أمن الدول ويمكن من اختراق أنظمة الحكم والأنظمة الاقتصادية ويهدد سلامة المعلومات واحترام الحرمات والمسائل الشخصية.لذلك، يتوجّب أن تكون علاقتنا بوسائل الاتصال وهذه الثورة التي بلغتها حذرةً وواعيةً، وأن تكون الاستفادة منها مدروسةً، وتحتكم لشروط الأمانة والنزاهة العلمية؛ لأن مخاطر التطور التكنولوجي قد تكون أسوأ بكثير من إمكانية التوظيف العلمي المطلوب والمرغوب.