لست من أنصار التترس في الماضي، لأن لكل عصر معطياته وأدواته، فنونه وتقنياته، وأجيال تنمو تحتاج الى سبل التقدم والتحضر، ومعطيات جديدة تربط وثاقها بثقافة وقيم وتاريخ الوطن وتشدها بقوة اليه. كان مصيفنا الطائف، مازالت ذواكرنا معبأة بطيبه، لم نكن نعرف « الطفش» أو « الملل « لأننا كنا نمضي أجمل الأوقات في بساتينه الغنَّاءة، مع الصحبة الجميلة من الأهل والصديقات، كانت هجرتنا داخلية، لكن منذ سنوات الطفرة أصبحت الهجرة الصيفية الى كل دول العالم، وبعد أحداث 11 سبتمبر 2000م، تحولت الهجرة الى العالم العربي، ثم انتقلت بعد أحداث الربيع العربي الى دبيوتركيا، ورغم عودة الهجرة الى مصر الا أن تركياودبي تحظيان بنصيب الأسد في معظم الإجازات، مهما كانت قصيرة. لست ضد السفر ولا أنتقد من يسافر، لكن لا بد من إيجاد حلول أخرى تقوم بها الهيئة العامة للسياحة لتوفير ما يجده السائح في دبي مثلاً. وأنت في تركيا تظن ألا أحد في السعودية من حجم الأعداد الموجودة في الفندق والشارع والمطعم والسوق والمول، المدهش أن بعضهم لا يعرف أين يذهب في اسطنبول مثلا، يعرف بعض الأماكن المعروفة فقط؛ كشارع الاستقلال ( تقسيم ) وساحة السلطان أحمد التي تضم أجمل المباني التراثية، آية صوفيا وقصر السلطان سليمان القانوني ومسجد السلطان أحمد ومسرح ( كوش باش ) أي ( حوش الباشا ) وفيه عرض صوفي وبعده عرض آخر حديث، وعدد من المطاعم والمقاهي التي تجدها مكدسة بالسعوديين في قوائم انتظار طويلة. في اسطنبول أماكن كثيرة تستحق الاهتمام من الزائر وليس هذا هدف المقالة أي ليست ترويجاً للسياحة التركية ولكن أريد أن أقول أن بعض السياح السعوديين يسافرون في الصيف هرباً من الملل لأنه لا يوجد في كل الوطن غير مهرجانات التسوق والمطاعم لاسينما ولا مسرح ولا مسابح وملاعب وحدائق توفر للأطفال والشباب مكاناً للمرح واللهو في إجازة الصيف الطويلة والاجازات القصيرة. تجد الأسرة نفسها في حرج وضيق بين ملل الصغار ومحدودية الأماكن وارتفاع الأسعار فلا تجد مفراً من السفر. في الفندق يجد الأطفال فرصة للسباحة والمرح والأسرة تنطلق بحرية مع أبنائها وبناتها دون تشكيك في سلوكياتهم وأخلاقهم. لابد أن نعترف بأن لكل وقت أذاناً ، ولكل جيل تطلعاته واحتياجاته، وجيل هذا العصر لم يعد يشبعه نزهة صغيرة ولا العشاء أو الغداء في مطعم، والمنتجعات السياحية في جدةوالطائف أسعارها لا تناسب ما تقدمه للسائح من متعة، ولم يعد الطائف عروس المصائف، الا إذا توفرت به الشروط التي يجدها السائح في المصائف حولنا رغم أن الطقس الجميل يجده السائح في الطائف وأبها والباحة لكنها تحتاج الى المزيد من العمل كي تصبح مناطق سياحية ترضى ليس فقط السائح بل تناسب تطلعات ورغبات هذا الجيل الذي أصبح يجوب العالم بجهازه الإلكتروني بسهولة. هذا الجيل يحتاج الى ما يبحث عنه في دول الجوار لا أريد الغوص في تفاصيل الاحصائيات وحجم الإنفاق الذي يتدفق مع هذه الهجرة الموسمية. ولم تعد الهجرة في فصل الصيف فقط، بل هناك مواسم للهجرات، في إجازة الحج، وهي قريبة جداً، وإجازة نصف السنة وإجازة الربيع والعيد. كل هذه الأعداد المهاجرة يمكن معرفتها من خطوط الطيران ومن جمارك الحدود مع البحرين مثلاً التي تمثل هجرة أسبوعية أي كل نهاية أسبوع تتدفق العائلات السعودية لمجرد متعة مشاهدة فيلم سينمائي في قاعة عرض. [email protected]