الحضارة مطلب رئيس لكل الأمم لكن الفهم العميق لمدلول هذه الكلمة هو الشيء الذي لم توفق إليه بعض الأمم فأخذت كلمة الحضارة مفهومين.. مفهوم عميق وهو المهم ولم يتنبه إليه أكثر الناس، ومفهوم سطحي وهو المتبادر لكثير من الأفهام مع الأسف. أمّا المفهوم العميق بصرف النظر عن المعنى اللغوي فيبرزه التعريف التالي: الحضارة راجعة إلى الحقيقة الذاتية للإنسان قبل أن ترجع إلى مقامه ومنزلته وإلى ما نال، وهي مزيج مركب من ثلاث قواعد «إخلاص العبودية لله + عقل يتعرّف به الإنسان على الكون فيستخدمه في ترقية الحياة وعمرانها وفق إرادة الله + أخلاق وقيم إنسانية تسود الحياة». فإخلاص العبودية لله يقتضي تحقيق توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وهذا هو الدين ومن أهم العناصر الحضارية في أمة من الأمم وبدون ذلك فالأمة جاهلة وإن غزت الفضاء لأنها انفصلت عن القوة الفاعلة الموجهة في الحياة فقطعت بذلك الصلة بين الأرض والسماء فحكمها حكم حيوان الغاب. أما العقل فعنصر مهم من عناصر الحضارة إذ به يستطيع الإنسان تحقيق الاستخلاف في الأرض فمتى انتمى الإنسان إلى دينه الإنتماء الصحيح وأستعمل عقله وعلمه ومقدرته الاستعمال المطلوب فسوف يصل إلى غايات حضارية شتى وكرامة وعزة، المهم في الأمر أن يستخدم عقله ويستخدم تلك الطاقات في تثبيت وتحقيق معنى لا إله إلا الله الذي قامت عليه السموات والأرض.. فالمسلمون الأوائل كانت لهم السادة والحضارة والمجد والعزة والكرامة لأن معيّة الله معهم فتفوّقوا في كل العلوم والاكتشافات. فاستهانة المسلمين بعلومهم وضعف الأركان القوية التي كانت تسندهم أدّت بهم وأوصلتهم إلى ما وصلوا إليه الان من انتكاس ورجعية، فهم لم يخلصوا العبودية فدبّ الظلام إلى عقولهم النيّرة، فلا نور بدون إيمان، وفسدت أخلاقهم فالأخلاق والقيم من أهم المرتكزات الحضارية. فيا أيها العالم الإسلامي أستيقظ وأنظر هكذا نشأت الحضارة الإسلامية في تاريخها الطويل عبر القرون الماضية حيث أعتمدت في حضارتها على التعاون والتساند بين الدين والعقل والأخلاق فعاشت الأمة الإسلامية في أمن داخلي واستقرار ذاتي وتفتح علمي. حنان حسن الخناني