في المواقف التي يقف فيها العقل ضد الحقيقة ويعاند فيها القلب أشواك الألم، لا نملك إلا أن نقف بانكسار لحظات سماع خبر رحيل شخصيات عامة كان لها دور مؤثر في حياتنا على مختلف المستويات. لا نريد لهذه الشخصيات النادرة المثيل أن تغيب عنا لأننا نخشى ألا تتكرر في حياتنا. تلك هي شخصية الأمير سعود الفيصل مهندس الدبلوماسية السعودية العربية وصديق الأجيال منذ الستينيات والسبعينيات حتى آخر أيام عمله كوزير للخارجية. اليوم يجيء رحيل سعود الفيصل موغلاً في الألم وموجعاً في الذاكرة. كيف لا وقد قضينا جل حياتنا في أروقة دبلوماسيته وتكوّن وعينا السياسي على صدى حضوره في أروقة السياسة الخارجية في الأممالمتحدة ومجلس الأمن واجتماعات وزراء الخارجية. فبرغم أنه يمثل شخصية عامة إلا أن ارتباطه بحياتنا الشخصية يحمل الكثير من المعاني والدلالات. هو الرمز لأجيال الستينيات والسبعينيات كونه قبل ذلك رمزاً متسامياً في عالم السياسة والدبلوماسية. هو الأمل في وقت عز فيه الأمل وتوالت النكسات. وهو بحق مدرسة في العلوم السياسية تربى على يديه جيل من الخريجين بكل ما تحمله من هموم وأعباء ضحى هو بصحته ووقته من أجل أن تستقيم. تدرج في المناصب والعمل الدبلوماسي منذ حصوله على درجة البكالوريوس في الاقتصاد في الستينيات من القرن الماضي، من وكيل لوزارة البترول حتى استقر به المقام في رحاب وزارة الخارجية عام 1975 في ظروف صعبة بعد اغتيال والده الملك فيصل رحمه الله بعدة شهور. ولعب بعد ذلك دوراً كبيراً في الجهود التي أفضت إلى وضع حد للحرب اللبنانية بين 1975-1990. تميز بجهوده الدبلوماسية الحكيمة ووقوفه ضد الحروب في صف العدالة والمساواة بين البشر. وكان آخر ما رأيناه من حكمته الدبلوماسية البعيدة عن الصوت المرتفع رده الواضح والقوي على الرئيس الروسي بوتن في مؤتمر القمة العربية بشرم الشيخ في مارس 2015. مواقف الأمير سعود الفيصل، المتميز بجهوده الدبلوماسية الحكيمة ووقوفه ضد الحروب في صف العدالة والمساواة بين البشر، من الصعب محوها من الذاكرة أو من تاريخ الشعوب. فقد خاض معارك سياسية كبيرة ممثلاً لبلاده ومدافعاً عنها، وعاش كل مراحل الأزمات والمشاكل العربية الحديثة ولعب أدواراً تاريخية مهمة، وشارك في اتخاذ الكثير من القرارات المصيرية التي كان لها تأثير كبير على سياسة المملكة الداخلية والخارجية وفي مستقبل العمل العربي المشترك؛ فكان بحق أمير الدبلوماسية العربية وفارسها المحنَّك. سعود الفيصل .. أيها الرجل الاستثنائي .. حفرت نقشاً مزهراً بالأمل في حياتنا لأربعة عقود فكم يكفينا لنبكيك. كلي أمل في أن يتوج اسم هذا الفارس سعود الفيصل كلية للعلوم السياسية ينخرط فيها الجيل الجديد من الشباب والشابات ينهلون من معينه نحو أمل مضيء باستمرار نهجه في معالجة القضايا الدبلوماسية الشائكة. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته.