لن أتطرق هنا الى جحافل المتكبرين، والمتغطرسين، والمتعالين، لأن بؤسهم واضح ؛ ومصير الذي لم يتب منهم، (بما معنى الحديث) أن يتحولوا، يوم القيامة، على هيئة الذر تطؤهم الخلائق تحت أرجلهم. وهم أيضاً، كما جاء في الحديث الصحيح، ليس لهم أمل في الاقتراب من الجنة والنعيم " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". باختصار عليهم اللعنة والمذلة أينما حلّوا. ما يهمني هنا هو لفت الانتباه الى شخصية أخرى موجودة بيننا ونراها كل يوم وهي التي من الممكن أن نسميها الشخصية الشكليَّة ؛ وهي منزلة بين منزلتين، أي بين منزلتي الكبر والتواضع. وكلمة الشكلية من الشكليات، وتُحيل – ان جاز لنا التعريف – إلى مجموعة التفاصيل والكماليات التي يحرص ويصّر بعض الناس على وجودها والاهتمام بها وإعطائها بالتالي الاولوية على حساب مهامه ومسئولياته الأساسية. الشخص الشكلي قد يكون متواضعاً, وليس مصاباً بداء الكبر والغطرسة والإحساس بالفوقية، ولكنه حتما مصاب بعمى الأولويات والهوس بالشكليات والأضواء والمقدمة. فهناك المسئول الشكلي، وهو الذي يكون مهيأً وجاهزاً، نظراً لقلة عتاده، الى أن يقع فريسة سهلة ولقمة سائغة لمجموعة من الموظفين الذين تروق لهم وتتماشى مع أهدافهم أن يكون المسئول عنهم شكلياً على حساب أداء مهمته الأساسية ؛ ونلاحظ أن هؤلاء يستخدمون، لتحقيق غاياتهم في حشر المسئول في زاوية الشكليات، استراتيجياتٍ وخططاً منظمة، مباشرة وغير مباشرة، تجعل هذا المسئول يتوهم انه يعمل شيئاً، وهو في الواقع غارق حتى أذنيه بتفاصيله التافهة والهامشية. والمؤلم أن نتيجة هذا السقوط، أن هذا المسئول، عوضاً عن أن يشرف بخدمة الناس ويسعى نحو بذل أقصى طاقاته لتحقيق مهامه الأساسية التي كلف بالعمل من أجلها، نجده يتحول الى عبء كبير يحتاج الى ماكينة كبرى لسد احتياجاته التي لا تنتهي. وهناك أيضاً الأب والأم الشكليان، اللذان تخليا عن مهمتهما الاساسية في صناعة أجيال متمسكة بقيمها الحضارية الإسلامية المعتدلة والعميقة، وطفقا يلهثان خلف الشكليات والكماليات عبر منظر كارثي في اختلاط الأدوار بين الزوجين، يؤدي في نهاية المطاف إلى أن لا أحد منهما يعي ماذا يريد من الآخر، ولا دور الآخر تجاهه، أو تجاه الأبناء، معلنين بذلك تلاشي وانهيار الحدود المرسومة شرعاً وقانوناً بين أعضاء هذه المؤسسة المقدسة، والنتيجة تصدير إنسان غير منتج وغير قادر على مواجهة تحديات الحياة الكبرى. القائمة مفتوحة لأشكال الشكليين في مجتمعاتنا، فهم موجودون بيننا ونراهم في كل مكان ولا نحتاج لبذل الكثير من الجهد لمعرفتهم فضجيجهم كثير، وإنتاجهم قليل، لكي لا نقول معدوم، والخاسر بطبيعة الحال هو المستقبل الذي أُبتلي بهم. والسؤال : ان كان لا بد من وجودهم، وان كان قدرنا أن يكونوا بيننا، فما العمل لمعالجة هؤلاء وتوجيه بوصلتهم نحو مهمتهم الأساسية والإنتاج ؟ [email protected]