في التُّراث العربي إضاءاتٌ في غايةِ الحسن والجمال، وإشاراتٌ تُنير الطَّريق أمام من يلتمس منهجًا في مصاحبة الأخيار، ومجانبة الأشرار، واختيار من يسعد المرءُ بصحبتهم فيكونوا له عونًا على الخير، ودليلًا إلى الهدى والتُّقى، وهو أمرٌ من الأهميَّة بمكان، حيث يقول المصطفى الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ" وقال عليه الصَّلاة والسَّلام: "المرءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ". وقال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: "مَا أُعْطِيَ عَبدٌ بَعدَ الإِسلَام خَيْرًا من أَخٍ صالح، فإذَا رأَى أَحَدُكُمَ وُدًَّا من أخيه فَلْيَتَمَسَّكْ به" وقال رضي الله عنه: "لَوْلاَ أَنْ أَسِيرَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ أَضَعَ جبيني لِلَّهِ فِي التُّرَابِ، أَوْ أُجَالِسَ قَوْمًا يَلْتَقِطُونَ طَيِّبَ الْكَلاَمِ كَمَا يُلْتَقَطُ التَّمْرُ، لأَحْبَبْت أَنْ أَكُونَ قَدْ لَحِقْت بِاللهِ". ولمكانة هذا الجانب وأهميَّة فقد قال مالك بن دينار -رحمه الله-: "لم يَبْقَ مِنْ رَوْحِ الدُّنيا إلَّا ثلاثة: لقاءُ الإخوان، والتَّهجُّدُ بالقرآن، وبيتٌ خَالٍ يُذْكَرُ اللهُ فيه". وقال أبو حاتم ابن حبَّان: "العاقِلُ يلزمُ صُحْبَةَ الأخيار، ويُفارقُ صُحْبَةَ الأشرار، لأنَّ مودَّة الأخيارِ سريعٌ اتِّصالُها، بطيءٌ انقطاعُها، ومودَّة الأَشرارِ سريعٌ انقطاعُها، بطيءٌ اتصالُها، وصُحْبَةُ الأشرارِ تُورِثُ سوء الظَّنِّ بالأخيار، ومَنْ صَاحَبَ الأشرارَ لم يَسْلَمْ من الدُّخولِ في جُمْلَتِهِم". وفقد أشار الشُّعراء الى تلك المعاني في أشعارِهم، فَدَعوا إلى مصاحبةِ الأخيار والإفادةِ منهم، وحذَّروا من مصاحبةِ الأشرار والسَّفَلةِ من النَّاس، ومن ذلك قول محمدُ البغدادي: عَلَيْكَ بِإِخْوَانِ الثِّقَاتِ فَإِنَّهُمْ قَلِيلٌ فَصِلْهُمْ دُونَ مَنْ كُنْتَ تَصْحَبُ وَنَفْسَكَ أَكْرِمْهَا وَصُنْهَا فَإِنَّهَا مَتَى مَا تُجَالِسْ سِفْلَةَ النَّاسِ تَغْضَبُ أمَّا الشَّاعر عديُّ بن زيد العِبَادي فيوصي باختيارِ الأَخيَارِ من الأصدقاء، ومجانبةِ أهلِ السُّوءِ الَّذين لا يَلْبَثُونَ أن يَنْقُلُوا خِصَالَهُم السَّيئة الى مَنْ يُخَالِطُهم: إِذَا كُنْتَ فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ ولا تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي عَنِ الْمَرْءِ لا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فُكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي وقال الصَّحابي الجليل لبيد بن ربيعة رضي الله عنه: مَا عَاتَبَ الْمَرْءَ الْكَرِيمَ كَنَفْسِهِ وَالْمَرْءُ يُصْلِحُهُ الْجَلِيسُ الصَّالِحُ ومن المعاني التي ركَّز عليها الشُّعراء في الحديث عن القرين والصَّديق، أنَّ مكانةَ المرءِ وعُلُوَّ همَّتهِ تَنْبَعَان من الاختيار الصَّحيح لمن يُخالِطُهم ويُجالِسُهم ويكتسبُ منهم، وممَّا يحويانه من صفات وخصال، وفي هذا المعنى يقول أحدُهم: أَنْتَ في النّاسِ تُقَاسُ بالَّذي اخْتَرْتَ خليلَا فاصْحَبِ الأخيارَ تَعْلُو وتنَلْ ذِكْرًا جَميلا صُحبَةُ الخَاملِ تكسو مَنْ يُؤاخيهِ خُمُولَا وفي أبيات أخرى يشير محمد بن إسحاقَ الواسطي إلى متابعةِ الأخيار واقتفاءِ أَثَرِهم: اِصْحَبْ خِيَارَ النَّاسِ أَيْنَ لَقِيتَهُمْ خيرُ الصَّحابةِ مَنْ يكونُ ظَرِيفَا والنَّاسُ مِثْلُ دَرَاهمٍ مَيَّزْتَها فَرَأَيْتَ فيها فِضَّةً وزُيُوفَا *الجامعة الإسلاميِّة - كليَّة اللغة العربيَّة