هكذا هي الحياة لا تدوم، ولا يدوم فيها حال؛ سوى للواحد الأحد الذي لا يموت، لقد كان فيما شهدته المملكة العربية السعودية خلال الأسبوعين الماضيين من سلاسة في انتقال الحكم من الراحل الكبير الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- إلى أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مدعاة للتفاؤل والاستبشار، ومؤشرات إيجابية قوية على الحكمة التي يتمتع بها الملك سلمان، والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة في أحلك الأوقات وتنفيذها بالسرعة المطلوبة، وفي حمل الناس بمختلف شرائحهم الاجتماعية ومشاربهم الثقافية على الالتزام بها. وقد بايعه المواطنون على السمع والطاعة في غير معصية الله، فسلمان أثبت بحق أنه رجل المرحلة، ورجل الحزم والعزم والحكمة ومعرفة الواقع، وتأكيده -رعاه الله- مرة أخرى بما أثلج به صدور المواطنين من أن المملكة العربية السعودية دولة إسلامية العقيدة وسطية المنهج دستورها القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومنهجها الاعتدال، وأنه لا محيد لها عن تلك الهوية التي تمسّكت بها المملكة منذ التأسيس وحتى استلامه لمقاليد الحكم. تعيش المملكة العربية السعودية حالياً مرحلة تتسم بتحديات كبرى غير مسبوقة داخلياً وخارجياً ليس على مستوى المملكة فحسب بل على مستوى المنطقة العربية والإسلامية، والمستوى العالمي، وقد قلد الله تعالى أمانة قيادة المسيرة لعبده "سلمان بن عبدالعزيز"، نسأل الله له العون والسداد والرشاد، وأن يُعينه على قيادة البلاد بسلام ومقدرة وسط كل تلك الرياح العاتية، وأن يُوفّقه الله إلى استكمال خطوات الإصلاح في الداخل والخارج لكي تظل المملكة في صدارة العالم الإسلامي، وما هي أهل له على الساحة الدولية وهي مكانة عليّة، فقد صنّفت مجلة "أمريكان انترست" قائمة بأقوى سبع دول تستطيع أن تُؤثِّر على العالم في العام 2015م، وجاءت المملكة من ضمن هذه القائمة، حيث كان ترتيب تلك الدول كالتالي: الولاياتالمتحدةالأمريكية - ألمانيا - الصين - اليابان - روسيا - الهند - المملكة العربية السعودية. المملكة العربية السعودية دولة فتية جداً غالبية سكانها (60%) من الشباب دون الخامسة والعشرين من العمر، ويلزم أن نُهيئ لهم المزيد من فرص التعليم المبني على تراث الأمة وعلى مستجدات التقنية ومزيداً من التدريب على التقنيات الصاعدة والأعمال المتطورة، وتوفير فرص العمل للتقليل من البطالة، وكذلك توفير السكن والعلاج، وأن نُشغل طاقات الشباب بالإيجابيات والإنجازات، لتحل محل الكثير من السلبيات، لمواجهة الغلو والتطرف الديني من جهة، والتغوّل العلماني الليبرالي التغريبي من جهة أخرى، فإن العلمنة من الشرور الكبرى التي تجلب سخط الله، وتعمل على زعزعة الاستقرار. إن العمل على إعادة إحياء حركة التضامن الإسلامي واستقطاب الدول المسلمة لتكوين تكتل سياسي اقتصادي إسلامي، والتحالف مع العديد من دول العالم الإسلامي السني المعتدل -كتركيا ومصر والأردن وباكستان وإندونيسيا وماليزيا وغيرها من الدول المسلمة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب الإسلامي في وجه التمدد الفارسي الإيراني بالمنطقة- لهو أمر ضروري في تلك المرحلة، لمجابهة الأطماع الصهيونية في المنطقة والمزيد من التمزيق للعالمين العربي والإسلامي، وتجنيب المنطقة الوقوع فريسة للمخططات الإجرامية من جرها إلى الاقتتال "سني - سني" لصالح إيران وإسرائيل والدول الاستعمارية الغربية، فالمرحلة مرحلة مفصلية غير مسبوقة المخاطر، فإما أن نكون أو لا نكون، وتحتاج قائداً فذاً، وقد قلّد الله أمانتها للملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وهو -بحول الله- أهلٌ لتلك المهمة التاريخية.