لكل رجل عظيم مجموعة من السمات، التي تتجلى وتتوهج بصورة أخاذة وآسرة، لتشكل مقومات تلك الصفة وتطاول بها الأوج الأعلى على كل الأصعدة، في حياة المجتمعات البشرية. ومن المؤكد أن عبدالله بن عبدالعزيز هو أحد أولئك العظماء، الذي استحق هذه المنزلة الرفيعة بجدارة، ليس على المستوى المحلي والإقليمي فحسب، بل تجاوزت عظمته إلى الأفق الإنساني الأرحب حتى أصبح حكيم العرب ملك الإنسانية، الذي مد يد العون في نكبات البشر دون تمييز، وكرس جهوده ليسود السلام العالم، بالحوار بين أتباع الأديان والثقافات، والمواجهة الجمعية للإرهاب والفكر المتطرف. وعلى مستوى الوطن فقد صنع هذا القائد الفذ عبدالله بن عبدالعزيز تاريخا مشرفا لدولته وأمته، خلال عقود من الزمن تدرج فيها بين المسؤوليات المتعددة، حتى تسنم سدة الحكم، وكانت كل مراحله أنموذجا من الحكمة والوطنية والشجاعة في اتخاذ القرار. وخلال العقد الأخير، شهدت المملكة في عهده الزاهر نهضة غير مسبوقة في كافة المجالات، حتى أصبحت دولة عصرية تزخر بكل مقومات التطور والتحديث، الذي يأخذ بكل معطيات العصر، ويحتفظ في الوقت ذاته بقيمها الدينية والعربية، في توازن حكيم شجاع، وضربت بنفسها المثل والقدوة للدولة الإسلامية الأنموذج، المحصنة بأسباب القوة التي تحمي هذه القيم، دون الخروج على النص الشرعي الصحيح. وإذا كان هذا هو مجمل التوصيف للدولة القوية، التي قامت على يد مليكنا الراحل – طيب الله ثراه – فإن تفصيل هذا المجمل يطول عنه الحديث، لكنه ماثل للعيان أمامنا جميعا وأمام العالم، في البناء والتعليم والصحة والطرق ودخول التقنية والثقافة والاقتصاد، وكافة مقومات بناء الدولة الحديثة، التي يعجز القلم عن الإحاطة بمفرداتها. ولم يكن غريبا أن يمتزج الشعب السعودي مع هذا القائد العظيم -حبا وولاء ووفاء- حتى سمت العلاقة إلى حالة من العاطفة الجياشة بالحب، بينه وبين شعبه على نحو فريد. ومن المؤكد أنه قد تسلم الراية من بعده صنو له في المنهج الحكيم، إنه سلمان بن عبدالعزيز، الذي عايش وشارك في صناعة هذه النهضة الباذخة، في كل مراحل المسؤوليات التي أنيطت به، منذ إمارة الرياض وحتى سدة الحكم. ولا جدال في أنه على الدرب ذاته سائر، للبناء على ما بنى الراحل الكبير وأسلافه، ولا شك أن ذات الروابط الحميمة بينه وبين شعبه قائمة، وهي الأساس المتين الذي استقرت سفينة الوطن عليه، في رحلتها المباركة منذ الملك المؤسس – طيب الله ثراه – وإلى اليوم، وكانت سببا رئيسا لرشاد المسيرة، وتقدمها دوما في مناخ آمن مما هدد سفن الأوطان من حولنا، كما هو مشاهد بالعين المجردة. وجدير بنا أن نتوقف لحظة، لنرى هذه المنزلة العظيمة التي أصبحت للمملكة العربية السعودية في عيون العالم، والتأثيرات القوية لها في عالم اليوم بين الأمم، والتي رسخها مليكنا الراحل الذي أحببناه كل الحب، وبكينا رحيله من القلب، والتي يواصل مليكنا المفدى سلمان بن عبدالعزيز البناء عليها وتعظيمها، وقد بايعناه والبيعة دليل حب ووفاء وإخلاص، وترجمة هذه المشاعر لابد أن تكون بتكاتفنا جميعا – كل في موقعه – لمتابعة إنجاز مشروعنا الوطني الطموح بكل معطياته، والوقوف صفا وحدا خلف القيادة، في هذا الظرف الدقيق الذي تعيشه المملكة، وسط أعاصير إقليمية وعالمية، تقتضي منا جميعا قبول هذا التحدي، والعمل الجاد الوطني النزيه على كل الأصعدة، فحب الوطن والقيادة ليس كلاما يقال ولكنه لابد أن يترجم بالفعل، والفعل الناجز في مواجهة التحديات. ورحم الله أبا متعب، وشد من أزر خليفته سلمان.