في الشهر نفسه الذي ضرب فيه إعصار يولاندا جزر الفلبين، في نوفمبر2013، فقتل 6 آلاف، وشرّد نصف مليون شخص، انعقد مؤتمر وارسو للتغيُّر المناخي. وفي المؤتمر، أمسك بالميكروفون عضو بالوفد الرسمي للفلبين ليلقى كلمة بلاده، وفي نهايتها تحشرج صوته وانفجر باكيًا وقال: «فلنكف عن وصف تلك الكوارث بأنها «طبيعية». فليس طبيعيًّا أن يكافح الناس من أجل التنمية واقتلاع الفقر، ثم ينقض عليهم وحش كاسر مثل هذا الإعصار الذي وصف بأنه الأقوى في التاريخ.. ليس طبيعيًّا أن البشر بسلوكياتهم غيّروا مناخ الأرض.. إنه السعي وراء نوع من النمو الاقتصادي والاستهلاك يستحيل استدامته لأنه غيّر مناخ الأرض.. فلنوقف هذا الجنون». وتضامنًا مع أهالي مدينة تاكلوبان، مسقط رأسه، المنكوبين، الذين كانوا في العراء دون طعام، أضرب سانيو عن الطعام لمدة أسبوعين هي فترة أعمال المؤتمر. وقت أن ألقى يب سانيو كلمة الفلبين، لم يكن يعرفه أحد، لكنه منذ ذلك التاريخ، صار أيقونة منظمات البيئة في العالم التي تُحذِّر من خطر التغيُّرات المناخية التي تتهدد كل الدول، ولكن سيتحمّلها بالأساس الفقراء في هذا العالم. وقبل أن ينتهي عام 2014، انعقد مؤتمر جديد للمناخ في ليما ببيرو. وواجهت المفاوضات فيه الصعوبات نفسها والخلافات نفسها. لكن مؤتمر ليما كان ذا أهمية خاصة؛ لأنه كان بمثابة التحضير لمسودة الوثيقة المنتظر أن تتحول لاتفاق ملزم في مؤتمر باريس للمناخ في ديسمبر 2015، ليبدأ تنفيذه في 2020. وقضية التغيُّر المناخي من القضايا التي ينقسم فيها الخلاف العالمي إلى خلاف بين الشمال المتقدم والجنوب النامي. فالانبعاثات الحرارية تؤدّي لارتفاع درجات حرارة الأرض على نحو صار يُمثِّل خطرًا على الحياة البشرية نفسها، وربما يُؤدِّي لإزالة دول بأكملها من على وجه البسيطة نتيجة الفيضانات والأعاصير المدمرّة، ويزيد من الفقر والعوز نتيجة التصحُّر والخراب، وهو ما يُحتِّم الحد من الانبعاثات الحرارية. وهنا يأتي الخلاف. فالدول الغنية تريد توزيع المسؤولية بالتساوي بين الدول كافة، بينما ترى دول الجنوب أن دول الشمال كانت المسؤول الأكبر عن ارتفاع درجة حرارة الأرض عبر ممارساتها أثناء عملية التنمية فيها لعقود طويلة، حتى وصلت للتقدم والثراء الذي تتمتع به الآن، ومن ثم عليها بالتالي أن تتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية ليس فقط بتخفيض الانبعاثات الحرارية، قبل أن تطالب الدول النامية بالمثل، وإنما عبر مساعدة الأخيرة. فدول الجنوب من حقها هي الأخرى أن تمضى في التنمية. وهى تريد القيام بدورها في تخفيض الانبعاثات الحرارية لكن دون أن يتأثر مسار التنمية بها، وهو ما لا يتأتى دون نقل التكنولوجيا التي تسمح لدول الجنوب بالتنمية دون الإضرار بالمناخ، والمساعدات الاقتصادية لمحاربة الفقر. وقد غطى هذا الخلاف على أعمال مؤتمر ليما، كما على مؤتمرات سبقته. وأدت المناورات نفسها لدول الشمال لصدور مسودة الوثيقة دون أي التزامات تقوم بموجبها دول الشمال بمساعدة دول الجنوب لا في التكنولوجيا ولا في مسارات التنمية. وكان كاشفًا لمناورات دول الشمال أن غاب «سانيو» عن وفد بلاده في مؤتمر ليما! فلم تضمه حكومة الفلبين لوفدها الرسمي، وقيل إن غيابه كان نتيجة لضغوط قوية من الدول الكبرى لإسكات الأصوات المؤثرة. وقد تظاهر أنصار البيئة أمام مقر المؤتمر احتجاجًا على منع سانيو، الذي بحثوا عنه فوجدوه في الفلبين متطوعًا ضمن الآلاف لمواجهة إعصار جديد كان على وشك أن يضرب بلاده، بينما الوفود الأنيقة مجتمعة في ليما. المزيد من الصور :