منذ لحظة ولادتك يا مسكين، يتلاعب بك كل من حولك، الأهل والمدرسة والمجتمع.. الجميع يتدخل ليُشكِّل شخصيتك وفقًا لما يراه مناسبًا، ووفقًا لقيمه ومبادئه! يحاولون مسخك بجعلك لست نفسك، لتلعب دورا رسموه لك. تكبر لتكون مزيّفا، نسخة مجمّعة من فلان وعلان وفلتان. تكبر لتكون كما يريدك أباك، وكما علّمتك أمّك، ولكنك مُؤكَّدًا لست نفسك. يستيقظ الإنسان وقد ضاعت سنوات ثمينة من عمره لعب فيها أدوارًا رُسمت له. يستيقظ ليكتشف أنه لم يكن نفسه قط، بل إنه لا يعرف كيف هي نفسه! البعض يستيقظ على فراش الموت والبعض الآخر يستيقظ بسبب صدمة تعرَّض لها، أو حكمة سمعها. كل منّا سيستيقظ ولكن متى؟! هذا هو السؤال. كلما كان الإنسان صبورًا أكثر وطاقة تحمله عالية كلما تأخر استيقاظه! الصبر يجعله يتحمل أن لا يكون نفسه مدةً أطول فيبتلع كل شيء دون أن يتغير. الشخص «المدلل» غير الصبور، يستيقظ أبكر من «الصبور»، المتعود على الشقاء. الصبر هنا غير مليح، يجب أن لا تصبر؛ لكي تستنقذ ما تبقى من عمرك. قد يصاب شخص بمرضٍ خطير أو إعاقة، ولأنه صبور سيتحمّل ولن يستيقظ فيستمر على ما كان عليه مع زيادة في جرعات الصبر والتحمل حتى يموت مغمومًا بائسا. في المقابل شخص آخر غير صبور ويتعرض لموقف تافه يؤثر فيه بعمق ويجعله يستيقظ، ليكتشف أنه لم يكن نفسه، فيبدأ رحلة البحث عن الذات. فيجد نفسه ويظهر كما هو وليس كما يُراد له أن يكون. حالات كثيرة يكون فيها الصبر صفةٌ سلبيةٌ ضررها أكبر من نفعها. الصبر مفيد لتحمل الصدمة الأولى ثم بعدها يجب أن نُنهي حالة الصبر ونستبدلها برضا وقبول. الصبر محتوى ضمني على الرفض، أن أصبر يعني أن أرفض الواقع ولكن أتحمّله. بينما المفروض أقبله فلا أضطر للصبر عليه أصلًا. الصبر هو صفة البؤساء، وله العديد من الآثار السلبية: 1- قد يتسبب في أن يستمر الغلط لمدة طويلة دون علاج، نصبر عليه فلا نُغيّره! 2- قد يجعل قدرة تحملك عالية وبالتالي لا تصل للانهيار الذي يليه استيقاظ. 3- قد تدمن عليه وتدمن على لعب دور الضحية، فتضيع حياتك بين نوح وشكوى وصبر وكظم غيظ. 4- أخيرًا قد تُحتجز في مرحلة الصبر فلا تصل إلى القبول والانعتاق أبدًا. من الأفضل للإنسان أن لا يصبر فيتأثر وينهار وبعدها يرضخ ويقبل ثم يرضى فيستنير.