لكي يكون للتغيير الوزاري معنى وينتج أثره، نتمنى على كل وزير جديد وغير جديد، أن يعتبر تعيينه تكليفاً شرعياً، لا تشريفاً دنيوياً، لذلك قبل أن تغرق في الفرحة يا معالي الوزير ويصرفك رنين هواتف المخلصين والمتحذلقين، وتأخذك عدسات المصورين، أن تقرأ الفاتحة وتشكر الله على عظيم فضله وإحسانه، وتصلي وتسلم على إمام المتقين رسول الهدى، وتدعو الله في خضوع ومذلة، ليكون لك عوناً ولعملك مرشداً. وأعلم أن "القسم" الذي أديته هو عهد بينك وبين ربك، وعقد بينك وبين من توسم فيك صلاحاً وخيراً. وعندما تذهب إلى مقر العمل، وأنت على باب الوزارة فلا يشغلك عن الدعاء شاغل، وليكن من ضمن ما تتضرع به إلى الله، أن يقيك شر نفسك وشر من حولك، فبين الوجوه التي تلقاها من يضمر لك خيراً ومنها من يريد بك شراً، فإذا جلست على كرسي الوزارة، وهو كرسي وثير له كاريزما وجاذبية، فاعلم أن عيبه الوحيد، أنه لا يدوم، وأرفض مطالعة أي معاملات يأتون بها إليك في اليوم الأول، فأحيانا يكون الغرض إغراقك منذ البداية في الأوراق كي لا تفيق، وإدخالك في دوامة لا تنتهي. مارس التأمل في أيامك الأولى. من خلال ذلك تستطيع أن تكتشف معاونيك وأن تتعرف على الأحوال وكيف تصير الأمور، وأصبر على نفسك، بالتنازل عن صلاحياتك، فليس من الضروري أن تكون الأوراق كلها بيدك. وهناك الكثيرغرقوا لاستئثارهم بالسلطة. إن نسبة عالية مما يقوم به الوزراء يجب أن لا يقوموا به، ولا يعتبر ذلك تفريطاً، لا تدع أحداً يغلق عليك باباً أو نافذة، ولا تسمح بفرض سياج من حولك. ليكن شعارك المواطن دائماً على حق. وكن على قناعة بأن الدولة وجدت من أجل المواطن. وظيفتك يا معالي الوزير أن ترسم السياسة العامة لجهازك. وتكمل ما بدأه غيرك. مسؤوليتك أن تلاحق مشروعات وزارتك بنفسك ولا تكتفي بالتصريحات الصحفية، مسؤوليتك أن تقضي على فساد أرهق الناس وروتين قتل العباد ووسع دائرة الابتزاز، مسؤوليتك تحديث الإدارة التي تجاوز الجمود فيها حدوده. وبلغ يأس الناس منها مبلغه، مسؤوليتك أن تكون عوناً للسلطان لا عبئاً. مناضلاً من أجل البلاد ومصلحة العباد. تتقي الله في كل أعمالك. مسؤوليتك أن تحقق وأنت على الكرسي اليوم ما كنت تتحدث عنه بالأمس في الصالونات بالهمس والجهر.