يقول الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا) "الإسراء 23-25". ما أعظم هذه الكلمات التي جاءت في القرآن الكريم، كتوجيه رباني لنا في التعامل مع الوالدين، وإقرانها بعبادته سبحانه وتعالى؛ لتبيان مكانتهما لدى كل إنسان، وتعظيم حقوقهما وواجباتهما، والعمل والجهد في نيل رضاهما مهما نتكلّف من الأمر، فالغاية عظيمة، وفيها من الأجر والثواب ما يستحق هذا العمل، قال الإمام أحمد: (حدّثنا عفان، حدّثنا أبوعوانة، حدّثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف رجل أدرك والديه أحدهما أو كلاهما عند الكبر ولم يدخل الجنة)، ورغم كل هذه الأوامر الربانية، والأحاديث النبوية الجليلة عن هذا الفضل العظيم نسمع مع كل الأسف عن انتشار عقوق الوالدين في مجتمعنا، وفي صور متعددة حتى وصل إلى حد قتل الابن والديه أو تعذيبهم ووضعهم في الدور والملاجئ دون رحمة أو شفقة بهما، وهذا ما يحزن القلب، وتدمع له الأعين، وهذا السلوك فيه من الدلالة على قساوة القلب وفساده، والبُعد عن الله في كل شيء من القول والعمل، وهو ما لا يُحمد عقباه، وسوف تجد عملك هذا أمامك في دنياك وآخرتك من أبنائك، ولن تفلح أبدًا مهما كبرت، ومهما حصلت من أموال ومراكز أو نفوذ، فإن التوفيق لن يكون حليفك، والله يمهل ولا يهمل؛ لذا احرص إن كنت غافلاً على العودة إلى رضا الله، وبالتالي إلى رضا الوالدين، فوالله لن تعوض قربهما كنوز الدنيا، فإذا توفي والدك ماتت النصيحة والحكمة، وإذا توفيت والدتك انقطع عنك الدعاء إلاّ من ابن صالح يدعو لك، وهذا الابن هو تربيتك، ورعايتك، وحسن الغرس، والتنشئة الصالحة، وما سوف تجنيه مستقبلاً، لذا علموا أبناءكم الرحمة، والتأدّب مع الوالدين والأجداد، ومع مَن يكبرهم، أحسنوا إليهم لكي يحسنوا إليكم، لا تتهاونوا معهم في أصول التربية، ولا نلوم هذا الزمان فقط، بل نلوم أنفسنا، وما فرّطنا به من حقوقنا على أبنائنا، وحقوقهم علينا. إخوتي وأبنائي لا تفوّتوا الفرصة في نيل الرضا من الوالدين، أو من بقي منهما. قدّموا الطاعة والخضوع بالتذلل لهما، واحرصوا على راحتهم، واحرصوا على دعائهم دائمًا لكم بالخير، قبّلوا أيديهم، وأرجلهم، ولا تخجلوا من ذلك أبدًا؛ لأن هذه اللحظات لا تدوم، ولا ينفع بعدها ندم، اللهم احفظهم لنا، وعافِهم، واعفُ عنهم، وارحم مَن فارقنا منهم برحمتك، ولا تفتنا من بعدهم.