من المعروف أن الناس يختلفون في تكوين شخصياتهم، ومن النادر أن نجد اثنين من البشر يتشابهان في شخصيتهما تشابهاً تاماً. بل وحتى الأخوين التوأمين لابد أن يكون هناك اختلاف بينهما مهما تشابها. قد يتشابه التوأمين في جميع صفاتهما الوراثية، ولكنهما مع ذلك لا يمكن أن يمرا معاً بتجارب وأحداث متماثلة في طفولتهما وصباهما وشبابهما، ولا بد من أن تكون هذه التجارب والأحداث مختلفة على وجه من الوجوه مما يؤدي إلى شيء من الاختلاف في تكوين شخصيتهما. *** ويبلغ تعداد البشر الذين يعيشون على وجه هذه الأرض اليوم ما يقارب سبعة مليارات نسمة، كل واحد من هذه المليارات له شخصية خاصة به تميزه عن شخصية غيره. لكننا نرى -للأسف الشديد- من يمتعضون من هذا الاختلاف ويريدون الناس جميعاً أن يكونوا على قالب واحد يصبونه هم بمعرفتهم. فكل الأفكار التي يحملها هذا الشخص أو ذاك؛ من الناس؛ يجب أن تكون وفقاً لما يراه هذا البعض، وأي خروج عن النسق يرون فيه شذوذاً يقود صاحبه إلى التهلكة! وقد اخترت لهذا النسق في التفكير مصطلح أسميته "سلاح الرأي الشامل"، الذي رأيت أنه أشد خطورة من أسلحة الدمار الشامل، فبينما الأخيرة يمكن أن تُصيب الآلاف من الناس، فإن الأولى يمكن أن تصيب مجتمعا وأمة كاملة، وتقضي على فكرهم وتلغي عقولهم وتحوّلهم من بشر يُفكِّرون؛ إلى مجرد قطيع من الماشية لا عقل له ولا فكر! *** هذا النسق في التفكير لا ينشأ إلا في مجتمعات متخلّفة لا تقبل الرأي الآخر، ولا تسمح بحرية التفكير، لذا لا عجب أن لا نرى بين هؤلاء مُفكرًا أو مُخترعًا أو عالمًا.. وأكبر عالم فيهم لا تتجاوز معارفه اجترار معارف سابقة.. فهو شريط صوتي أو اسطوانة مُسجلة تُردِّد نفس ما كان يقوله أناس من قرون بعيدة. *** إن هذا النسق في العيش لا بد أن يؤدي حتماً إلى ضياع الجهود وتحطيم الشخصية لأنه يجعل الإنسان يلغي عقله وتفكيره، ويُسلِّم قياده للغير يُوجّهه حيث شاء. والنتيجة هي أن الإنسان في هذه الحالة يضر نفسه إذ يهمل ما لديه من مواهب وقدرات، فيفقد نفسه ويمتد الضرر إلى مجتمعه. وهناك مَثَل شعبي يقول: "العبد في التفكير والرب في التدبير"، وآخر يقول: "اسعي يا عبدي وأنا أسعى معاك". أي أن على الإنسان أن يجتهد ويُفعِّل عقله وتفكيره ويستخدم طاقاته الكامنة من أجل العمل والإنجاز. والناجحون في حياتهم هم الذين يؤمنون بمبدأ "من جد وجد"، فالنجاح لا يجئ بالكسل والتواكل بل بالجد وحسن التدبير. * نافذة صغيرة: (لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة).. حديث نبوي شريف. [email protected]