أثار هاشتاق نُشر في تويتر حول إقامة إحدى البعثات الدبلوماسية في المملكة فعاليات خاصة تضمنت ما قال المحتجين إقامة رئيس البعثة "حفلات الغناء والرقص بمنزله"، أثار هذا الهاشتاق بعض المغردين ما بين مؤيد ومعارض، وانتهز بعضهم الفرصة لمهاجمة ما يُقام من مهرجانات ترفيهية في بعض مصايفنا. وما يهمنا هنا هو الحديث عن الفعاليات التي تُقام من البعثات الأجنبية في الدول المضيفة بموجب إتفاقية فيينا عام 1815. *** قد تنشأ بعض الحساسيات بين دولة وأخرى حول بعض المظاهر، تتفاقم حدّتها مع تأزم العلاقات بينهما. وما حمله الهاشتاق أعلاه من اعتراض على حفلات في مقر إحدى البعثات الدبلوماسية يظل مجرد رأي لا يمس علاقة البلدين. لكن هناك أمثلة حمل فيها الاعتراض نبرة أكثر توترًا حين قامت -على سبيل المثال- البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الكوبت عام 2012، بالاحتفال بيوم الجيش الإيراني في أحد الفنادق الكويتية، فقد اعتبر بعض النواب الكويتيين وأصحاب الرأي -وقتها- هذا الأمر استفزاز لمشاعر الكويتيين والخليجيين، خاصة وأنه أتى بعد يوم واحد من بيان دول الخليج تجاه تهديدات إيران لدولة الإمارات. *** وإذا كانت هذه الاعتراضات قد اقتصرت على مجرد إثارة الرأي ضد بعض فعاليات تقوم بها البعثات الأجنبية على أراضي الدول المضيفة، فإن هناك حالات وصل فيها الاعتراض إلى مدى غير مقبول. فخلال توترات "الربيع العربي" شهدت بعض دول هذا "الربيع" استهداف البعثات الدبلوماسية لبعض الدول بأعمال وهجمات إرهابية أسفرت عن ضحايا من القتلى والمصابين بينهم أفراد من الطواقم الدبلوماسية نفسها. أما المثال الأبرز لانتهاك دولة المقر للقانون الدبلوماسي المنظم للتمثيل الدبلوماسي بين الدول فقد كان "أزمة الرهائن" بين إيران والولايات المتحدة عندما اقتحمت مجموعة من الطلاب الإيرانيين السفارة الأمريكية بها دعمًا للثورة الإيرانية واحتجزوا 52 مواطنا أمريكيا لمدة 444 يومًا، من 4 نوفمبر 1979 حتى 20 يناير 1981. *** وللعلم والإحاطة فإن ما يُقام من فعاليات في بعثة أجنبية في أي دولة مضيفة تنظمه الأعراف الدولية، فمقر البعثة الدبلوماسية يُعتبر جزءًا من أرض الدولة في الدولة المضيفة. فللبعثات الدبلوماسية "حق رفع علمها وشعارها على دور البعثة ومسكن رئيسها ووسائل انتقاله كما أن لها الحق في إقامة الشعائر الدينية الخاصة بها والاحتفال بالمناسبات القومية للدولة الموفدة في هذه الدول". ومن القواعد الثابتة أن مقرات البعثة الدبلوماسية محصّنة وأن مندوبي الدولة المستقبلة لا يمكنهم الدخول دون موافقة البعثة. علمًا أنه لا تقوم مناسبة أو احتفالية إلا بتنسيق مُسبق مع وزارة الخارجية في الدولة المعنية التي تُحاط -عادة- بطبيعة المناسبة والمدعوين فيها، وما تتضمنه من فعاليات، ويحضر في العادة مندوب من وزارة خارجية دولة المقر هذا الحفل كنوع من المجاملة حتى لو سلم وغادر مباشرة. *** ييقى التأكيد على أن البعثات الدبلوماسية تحرص دائمًا على احترام القوانين واللوائح الداخلية لدول المقر فلا تقوم بأي عمل يستفز الدولة المضيفة. ويبقى أن هناك من يحاول خلق حالة من التوتر لاكتساب قاعدة داخلية غير آبه بطبيعة العلاقات بين الدول. لذا يثير مثل هؤلاء الصغائر من أجل مكاسب خاصة حتى لو أضر بعلاقات الدول ببعضها، وهو أمر تستوعبه غالب الدول ولا تُعوِّل عليه كثيرًا.. فأصحاب هذا النهج هم مثل صاحبنا "دون كيشوت" يحمل سيفه الخشبي ليُصارع به طواحين الهواء. * نافذة صغيرة: قال الله تعالي: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64). [email protected]